تقرير لـ”رويترز” عن المصارف اللبنانية

قالت 4 مصادر مصرفية مطلعة على الوضع لوكالة رويترز، انه من المتوقع أن يفي أقل من نصف البنوك اللبنانية الكبرى، التي يبلغ عددها حوالى 12، بالشرط الذي حدده البنك المركزي لتدعيم القطاع.
والبنوك التي يتوقع أن تفي بأهداف البنك المركزي، هي نفسها التي استغلت إلى حد كبير فرصة الاستفادة من حملة الأسهم، أو المودعين الحاليين، وحولت الودائع بالدولار الأميركي، إلى أدوات ملكية أو باعت أنشطة لها في الخارج.

يكافح عدد من البنوك في لبنان، التي أصابتها الأزمة المالية بالشلل وصدعتها المخاطر السياسية، للوفاء بالهدف الذي وضعه لها مصرف لبنان المركزي لتعزيز دفاعاتها، عبر زيادة رأس المال بنسبة 20% في نهاية شهر شباط/فبراير 2021.
ويؤكد الوضع حجم المشكلة التي تواجه بنوك لبنان التي أفرطت في إقراض دولة من أكثر دول العالم مديونية ولم تعد تملك سيولة مالية.

ضخامة الخسائر
وجمدت هذه البنوك إلى حد كبير، الودائع بالدولار الأميركي لعملائها، ومنعتهم من تحويل المال إلى الخارج منذ آواخر عام 2019. وقال بعض المستثمرين والاقتصاديين: إن هذه الخطوات ضئيلة لا تذكر، وجاءت بعد فوات الآوان في ضوء ضخامة الخسائر التي تواجه القطاع.
وأكد حاكم المصرف المركزي، رياض سلامه، لـ”رويترز”: أن الـ20% المستهدفة التي حددها، تعادل حوالى 4 مليارات دولار أميركي.
وتقول المصادر المصرفية الأربعة لـ”رويترز”، ان الأمر الذي أصدره المصرف المركزي للبنوك الذي يطلب من أكبر مودعيها إعادة 30% من ودائعهم إلى البلاد، لم يسفر عن شيء يذكر.

تحديات صعبة
من جانبه، أكد رئيس جمعية مصارف لبنان، والرئيس التنفيذي لبنك بيروت، سليم صفير، أن معظم البنوك ستلتزم بتوجيهات البنك المركزي. وقال في بيان لـ”رويترز”: لو اعتقدنا أنه لا أمل في التعافي، لأوقفنا نشاطنا الآن. التحديات صعبة، لكن لنا تاريخ في المرونة والابتكار، وسنتكيف مع الوضع الجديد.
وأشار المصرف المركزي، إلى أن من السابق لأوانه تقييم استجابة البنوك لزيادة رأس المال المستهدفة ولطلبه بزيادة السيولة لدى بنوك المراسلة التي تتعامل معها بنسبة 3%.
وقال سلامه في رده بالبريد الإلكتروني: “مع ذلك تقدمت كل البنوك تقريباً بطلبات لزيادة رأس المال، وبُذل جهد كبير لزيادة السيولة”.

تمديد المهلة
تزايدت التكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي بالبنوك المرشحة للتصفية. وحذر حاكم مصرف لبنان، من أن البنوك التي تعجز عن الوفاء بالمستهدف ستضطر إلى إنهاء نشاطها، غير أن بعض المصرفيين قالوا لـ”رويترز”، إنهم يتوقعون تمديد المهلة، لأنه لا أمل يذكر في جذب استثمارات جديدة.
وتتصور خطة الإنقاذ المالي التي وضعتها الحكومة المستقيلة، شطب رؤوس أموال، غير أن معارضة المصرفيين والساسة نسفت الخطة الأمر الذي ساهم في انهيار المحادثات الخاصة بالتمويل مع صندوق النقد الدولي.
وقال صناديق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى “إس.ايه.إم كابيتال بارتنرز” للاستشارات الاستثمارية في لندن، خالد عبد المجيد مدير، إن زيادة رأسمال المصارف بنسبة 20% خطوة مفيدة لكنها غير كافية. وأضاف: “لا يمكن مس أسهم البنوك اللبنانية بأي سعر. فالأمور ستتدهور بشدة في لبنان قبل أن تتحسن”.

الهندسة المالية
وقد أثار استخدام سلامه ما وصفه “بالهندسة المالية” في سبيل الحفاظ على قدرة لبنان على تمويل احتياجاته الانتقادات. ويواجه سلامه تدقيقاً جديداً، يقول مصرفيون إنه يثير تساؤلات حول مستقبله.
فقد قال المدعي العام السويسري في كانون الثاني/يناير 2021، إنه يحقق في احتمال حدوث اختلاس يمس مصرف لبنان المركزي، فيما نفى سلامه ارتكاب أي مخالفات ولم يرد على طلب للتعليق على الكيفية التي قد يؤثر بها التحقيق على وضعه وعلى القطاع المصرفي عموماً.
وقد باع بنك عودة وبنك بلوم، أكبر بنكين في البلاد من حيث حجم الأصول، أنشطة تابعة لهما في الخارج للمساعدة في تحسين وضعهما المالي.

الوفاء بالشروط
وقالت إدارة بنك عودة في بيان لـ”رويترز”: إن حصيلة بيع العمليات الخارجية ستتيح لنا الوفاء بالشروط التنظيمية المعنية وفي الوقت نفسه تؤهل بنك عودة بين البنوك اللبنانية القادرة على الاستمرار برأسمال كاف ومستويات سيولة كافية. ولم يرد بنك بلوم على الفور على طلب من “رويترز”، للتعليق على ما حققه من تقدم في زيادة رأس المال ومستويات السيولة.
يشار إلى أن بنوك لبنان استمرت لسنوات عدة بين أكبر بنوك العالم ربحية، مستعينة بتحويل أموال اللبنانيين المنتشرين في المهجر لدعم الحكومة مقابل عوائد مرتفعة. غير أن الانكشاف على الدين العام كان في نهاية الأمر هو السبب في الأزمة التي حلت بالبنوك، إذ جف نبع التحويلات المالية من الخارج وتفجرت الاحتجاجات المناهضة للفساد مما حرم النظام المالي من مصادر التمويل.

عجز الحكومة
وخلال العامين الأخيرين فقدت البنوك التجارية ودائع قيمتها نحو 49 تريليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل حوالى 22% من أصولها الإجمالية الحالية، ومن المرجح أن يكون كبار المودعين في صدارة المتضررين من أي حل للأزمة المصرفية.
ولأن السندات الحكومية تمثل أغلب أصول البنوك، فقد أصبحت هذه البنوك أكبر ضحية لعجز الحكومة عن الوفاء بسندات دولية مستحقة بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي، في آذار/مارس 2020 الماضي. ويتمثل جانب كبير من باقي أصول البنوك في العقارات التي انخفضت تقييماتها وسط الركود الاقتصادي.
وطلب المصرف المركزي من البنوك في شهر آب/أغسطس 2020، تجنيب مخصصات تعادل 1.89% عن ودائعها بالعملة الصعبة لدى البنك المركزي وخسائر تبلغ 45% عما بحوزتها من سندات الدين الحكومي، وهي مستويات قال بعض الاقتصاديين إنها تستهين بحجم المشكلة. وقد انخفضت الليرة اللبنانية بنسبة 80% منذ آواخر العام 2019، وقدرت مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية، أن الخسائر عن محافظ السندات الدولية تتجاوز 65%.

سخط شعبي
يتفق كثيرون من المصرفيين في لبنان بصفة غير رسمية، في أنه من الضروري تقليص القطاع المصرفي الحالي بشدة، الذي يضم ما لا يقل عن 40 بنكاً وقد تضخمت أصوله لتصل إلى ما يعادل 167% من الناتج الاقتصادي للبلاد في ذروتها الأخيرة عام 2015. ويسلم البعض بأن الحل سيفرض على حملة الأسهم وحملة السندات وزبائن البنوك تحمل خسائر. غير أنه لا يوجد إجماع على عدد البنوك التي ستضطر لتصفية نشاطها وعلى حجم الخسائر.
وفي ظل غياب حكومة جديدة وبقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية منذ استقالتها في آب/أغسطس الماضي وسط سخط شعبي على الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت، يسلم المصرفيون بأن الحل مستبعد في أي وقت قريب.

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق