وزير الإعلام السوري: خطتنا تعزيز الثقة بالصمود والدعم

أكد وزير الإعلام السوري محمد رامز ترجمان في أول إطلالة إعلامية له بعد توليه مهماته، أن الإعلام كان في خندق المواجهة إلى جانب الجيش العربي السوري منذ بدايات الأزمة، في مواجهة ماكينة إعلامية معادية ممولة بمليارات الدولارات وبالسلاح الفكري المريض لإفساد عقول أبناء سورية. واعتبر في حديث لمجلة البنك والمستثمر، أن الصدقية والوضوح في نقل الخبر الحقيقي أديا دوراً مهماً في تعزيز ثقة المواطن السوري بإعلامه الوطني، مؤكداً اهتمام ورعاية الرئيس بشار الأسد للإعلام الوطني حتى يأخذ دوره الفاعل في نقل الحقيقة.

وفي ما يلي نص الحديث:

كيف تغيرت آلية العمل بين الأمس واليوم، وما هو دوركم في مواجهة الإرهاب؟

لقد كان الإعلام منذ اليوم الأول، في الخندق الأول للمواجهة للعدوان على سورية، والذي اتخذ أشكالاً وأساليب مختلفة، لا سيما إعلامياً، بعد إدراج الإعلام السوري على لائحة الحصار الاقتصادي، حيث جرت محاولات عدة لإسكاته بالضغط على القنوات الفضائية السورية وإنزالها من الأقمار الصناعية (النايلسات والعربسات والهوتبيرد)، فكنا وما زلنا محاربين على كل الجبهات السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية، وقدمنا شهداءً على مذبح سورية.  وكون الإعلام يعكس حركة المجتمع والمؤسسات، لا سيما الاقتصادية منها، كان الإعلام السوري أول المستهدفين في هذه الحرب القذرة، باستهداف بناه التحتية، فجميع المراكز الإذاعية والتلفزيونية في درعا وحماه وحمص ودير الزور والحسكة والعاملين فيها، ومكاتب وكالة الأنباء الوطنية، استهدفوا خلال الأيام الأولى للاضطرابات التي حدثت، كما وقعت عمليات اغتيال وتصفية لما يقارب 35 شهيداً إعلامياً، واستهداف محطة البث الفضائي في منطقة خرابو بريف دمشق، ذلك كله لأن الإعلام حمل لواء الدفاع عن سورية والقضية السورية. لكننا، رغم كل ذلك، صامدون في وجه امبراطوريات إعلامية ضخمة مدعومة بالمال والسلاح الفكري والتقني، واستطاع إعلامنا بهمة عامليه وإيمانهم بسورية أن يقف في وجه هذه الماكينة بتضليلها وتزييفها، فثبتت مصداقية الإعلام السوري الذي قال منذ اليوم الأول أن ما يجري هو إرهاب وليس ثورة، ومن يقف وراءه عقل إرهابي ومشروع فكر فوضوي يستهدف المنطقة بشكل عام وسورية بشكل خاص، وباتت اليوم مصطلحات الإرهاب ومكافحته التي أطلقها إعلامنا تتصدر عناوين الأخبار في معظم دول العالم، ما يعني تداول مصطلحات الإعلام السوري لمصداقيتها ودقتها، مع الانتباه إلى أن ذلك لا يعني تراجع الماكينة الإعلامية المعادية عن سياستها الحاقدة ضد الإعلام والشعب السوريين.

ً ما مدى انعكاس هذا الواقع اقتصاديا على الإعلام السوري؟

الاستهداف الممنهج الذي مارسته القوى الظلامية ضد البنى التحتية للإعلام السوري، كخطوط الوصل الميكروية والمراكز التقنية والفنية والكاميرات، أثّر بشكل سلبي على الأداء الإعلامي بالنظر إلى التكاليف العالية لهذه التجهيزات والحصار الاقتصادي والحظر التقني المفروض على الشعب السوري، ولكن إعلامنا كان دوماً يبحث عن البدائل والطرق للاستمرار في حربه الخاصة ضد الإرهاب الفكري، ما أدى الى وجوب ضغط النفقات واعتماد استراتيجية الإدارة بالأهداف للوصول إلى المطلوب بأقل كلفة، ما مكّنه من الاستمرار في المواجهة. ولكن، وبعد مرور نحو ست سنوات من الهجمة الشرسة على سورية والضغط الاقتصادي تجاه الدولة السورية التي يشكل الإعلام جزءاً لا يتجزأ منها، كان لا بد من الاتجاه صوب خطوات أكثر جرأة في ضبط النفقات من دون المساس بالرسالة الإعلامية وجوهرها في كل قطاعات الإعلام الوطني، من عام وخاص.

كيف أقفلتم بعض المنابر الفضائية وتعلمون أن هناك حرباً إعلامية؟

الحديث هنا حول قناة “تلاقي”، والتفسير مزيج من سبب إطلاقها وتالياً إقفالها آسفين، ولكن واقع الحال يفرض الجرأة في التصرف، فهذه القناة أطلقت أساساً نتيجة القرارات المجحفة الصادرة بإنزال القنوات السورية من خاصة كقناة دنيا وعامة كالقناة الفضائية السورية من الأقمار الفضائية، فنقلناها من مدار النايلسات إلى مدار النورسات، ونُمي إلينا أن ضغوطاً يتعرض لها مشغل هذا القمر، ويعمل على استصدار قرار قضائي بحذفها، فكان لا بد من خطة بديلة للبقاء في الفضاء الإعلامي، وبالتالي كان الحل إطلاق قناة غير معروفة التوجه فأطلقنا قناتي “تلاقي” و”سما” في الوقت نفسه. ولعلمنا أن المواجهة طويلة فقد بدأ التجهيز لإطلاق قناة جديدة أخرى تدعى “عروبة” فإن أُنزلت الفضائية السورية تتحول “تلاقي” إلى الفضائية السورية، وإلى حين إنزالها من القمر (حيث يستغرق ذلك نحو ستة أشهر) نكون قد جهزنا قناة “عروبة” لتظهر باسم الفضائية السورية وهكذا دواليك. ولكن بعد إطلاق “تلاقي” وخلال ترقبنا لحذف الفضائية السورية من القمر، لم يحدث ذلك بطريقة ما، فبقيت “تلاقي” التي تحافظ على هوية ثقافية شبابية، ولكنها لا تملك مقومات العمق الموجود لدى الفضائية السورية من حيث الرسالة الإعلامية، فبرامجها لا تتضمن نشرة أخبار أو حتى شريطاً إخبارياً. وبسبب من ضغط النفقات كان لا بد من إيقافها لكونها تتكلف ما ينوف على 500 ألف دولار سنوياً، أضف لذلك أننا في حالة حرب وكل منابرنا الإعلامية يجب أن يكون لها هوية واضحة، بالإضافة الى انتفاء السبب الذي أوجدت من أجله قناة تلاقي، كان دمج مكوناتها مع بقية القنوات السورية الأخرى، أي أننا نحتاج توظيف كل ليرة في مكانها الصحيح وبما يعود علينا بالفائدة المُثلى منها.

إذاً المال مكون رئيسي في المواجهة الإعلامية الحالية؟

حتى لا نكون طوباويين، نقول أنه أساسي إلى جانب الإيمان بالقضية والوطن السوريين. فالإعلام يحتاج المال والماكينة الإعلامية العاملة ضد العقل السوري تموَّل بمليارات الدولارات، ومن دون المال سوف يتباطأ الأداء الإعلامي ويتراجع إلى ما دون المطلوب. والتوفير الذي اعتمدناه في النفقات عبر تلافي الجوانب غير الضرورية فيه يعني توظيف الكتلة المالية المتاحة في أوجه أخرى لتطوير الإعلام السوري، وهي رؤية ستظهر أولى بوادرها مع بداية العام 2017، لا سيما في المحطات الفضائية السورية من خلال البرامج الجديدة الجريئة. يُضاف إلى ذلك أن قسماً مما تم توفيره من المال سوف يتم ضخه في أوصال اخرى من الجهاز الإعلامي، حتى لا يكون المال عائقاً أمام استمرارنا في مواجهة  الفكر التكفيري التخريبي الذي يستهدف بلادنا وعقول أبناء الوطن السوري.

ما الغاية من تحويل بعض الصحف المحلية إلى نسخ الكترونية، ثم العمل راهناً على إعادتها ورقية؟

هما نقيضان، ولكننا جمعناهما من خلال استثمار كل ليرة في مكانها الصحيح بتحويل الوفر المحقق إلى منابر إعلامية أخرى، والمسألة كانت عبارة عن مطالبة بعض المحافظات التي كانت تصدر فيها صحف محلية لحاجتها إلى إعلام خاص بها يُعنى بشؤونها التفصيلية ويواكب الحاجات اليومية فيها. وخلال عملي كمدير عام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، أطلقنا مجموعة من الإذاعات الخدماتية تُعنى بالشأن المحلي البحت، كالكرمة في السويداء، والأمواج في الساحل السوري، والسنابل في الحسكة، وزنوبيا وسواها، فنجحت وكان لها صدى إيجابياً لدى الشارع كونها تابعت تفاصيل الحياة اليومية في المحافظة التي تبث منها، في حين أن المحطات العامة تُعنى بالشأن العام لكل سورية دون التفاصيل البعيدة لكل منطقة. وبالنظر إلى عدم وجود الوفر المادي، لجأنا إلى تحويل مرتجع بعض الصحف إلى ربح صافٍ، حيث تصدر وزارة الإعلام صحيفتي “الثورة” و”تشرين” وتوزعان في المحافظات، وبدراستنا لعدد مرتجعاتهما تبين أنه مساوياً لتكلفة إصدار الصحف المحلية للمحافظات، وعندما أصدرنا أعداداً تجريبية من هذه الأخيرة جاءنا من يشتري الأعداد كاملة، أي أن الخسارة هناك تحولت إلى ربح هنا، بعدما وُظِفت بالشكل الصحيح، ولذلك ندرس إعادة صحف المحافظات إلى النسخ الورقية.

تحتاج خزينة الدولة للإيرادات، هل ترفدها مؤسساتكم ذات الطابع الاقتصادي بأية أرباح؟

باعتباري وزيراً للإعلام أمتلك رؤية مختلفة نسبياً تتعلق بإعادة هيكلة قطاع الإعلام، بدءاً من القواعد، وقد عملنا على وضع إطار زمني وألية لعمل وزارة الإعلام بشقيها الإداري والإعلامي. وبعد دراسة جوانب الخلل في كل هذه المؤسسات وجدنا السبيل لنقلها من الخسارة إلى الربح عبر مصادر التمويل الذاتي ومصادر الاستثمار، وخلال الأشهر المقبلة سيتغير واقعها من خلال إخراج مكامن الهدر من المعادلة العملية مع إيجاد موارد إضافية. وفي هذا السياق أوجدنا جبهات عمل لمطبعة مؤسسة الوحدة لصالح القطاعين العام والخاص، وكذلك مؤسسة توزيع المطبوعات، حيث تواصلنا مع بعض الجهات الخارجية، عربية وصديقة، لإدخال توليفة من المطبوعات إلى الأسواق السورية، على أن توزعها المؤسسة مقابل عائد مادي. كما يتم البحث مع إحدى الشركات لتوفير موارد إصلاح الشاحنات العائدة لمؤسسة التوزيع إلى جانب نواحٍ أخرى، كإعادة تدوير الورق في مؤسسة الوحدة وإطلاق جريدة إعلانية، إضافة إلى تأجير بعض الأماكن العائدة للمؤسسات الإعلامية كي تتمكن من تأمين مواردها ذاتياً. وعليه، يمكن القول أن المعطيات  الراهنة مشجعة.

كيف يمكن تطوير الصحافة الاقتصادية في ظل معاناتها من بعض المحظورات والخطوط الحمر؟

لا شك في أن الهمّ الاقتصادي هو الأول للجميع، وبعد سنوات ست من الحرب باتت قوة الدولة السورية مؤشر مهم جداً على متانتها وقرب انتصارها، فما زالت الدولة إلى اليوم تصرف رواتب شهرية للعاملين لديها بقيمة 71 مليار ليرة، ورغم كل الضغوط ما زالت السلع الرئيسية موجودة ومدعومة من الدولة، ولكن يجب ألا ننسى أننا في خضم حرب همجية شرسة تحمل معها حصاراً وضغوطاً اقتصادية، والحكومة الحالية وضعت نصب أعينها تنشيط الاقتصاد الوطني ودفع عجلته للأمام من خلال إطلاق عدد كبير من القوانين الاقتصادية المرنة وتحفيز التصدير، والعمل على النهوض بواقع المعامل الصناعية الخاسرة عبر استثمارها تشاركياً مع القطاع الخاص، مع الانتباه الى الجرأة في طروحات الحكومة لدفع العملية الاقتصادية إلى الأمام ضمن معطيات الواقع الذي نعيشه الآن. أما بالنسبة للمحرمات السابقة، فأستطيع التأكيد أنه لم يعد من محرمات حالياً بالنظر الى الوضوح الإعلامي، والمواطن يعرف جيداً ما يقدم له من معلومات صحيحة تماماً بالنظر إلى توفر المعلومات بشكل كبير، كما ينقل الإعلام بشفافية توجهات الحكومة في الاستثمار والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وحتى المتناهية الصغر وتركيزها على القطاع الزراعي، أي أن الوضوح والمصداقية هما أداتنا في تعزيز ثقة الفرد بإعلامه الوطني في إطار قناعة الحكومة بوضوح التعامل ونقل ما يجري للمواطن.

تلجأ الوزارات للإعلام لترويج أفكارها في حين أنه ليس مشاركاً في رسم بعض السياسات واتخاذ القرارات، كيف يستقيم ذلك؟

حتى نكون منصفين ولا نجانب الحق، نقول أن وزير الاعلام عضو أساسي في لجنة الموارد البشرية الحكومية، كما هو موجود في اللجنة الحكومية المُناط بها البحث عن مواطن الهدر ومعالجتها، أي أن الحكومة بكلّيتها تعمل كفريق واحد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه اللجان ليست صاحبة القرار النهائي بل هي تدرس وتخرج بتوصيات ويكون النقاش الموسع مع كل أعضاء الحكومة في مجلس الوزراء لنخرج بالقرار النهائي. كما أن أي قرار اقتصادي مهم ويمس المواطن يتداوله وزير الإعلام بالنقاش مع الكوادر من أصحاب الخبرة في الوزارة ويعرض نتاج النقاش على مجلس الوزراء، ناهيك بأن دور وزارة الإعلام يكون في الفترة السابقة لاتخاذ أي قرار اقتصادي أو خدماتي من خلال طرح الأفكار وتداولها والخروج بنتيجة تتضمن رأي الشارع في هذا القرار، أي أن الإعلام داعم ومساند لصاحب القرار في اتخاذ القرار الصحيح.

كيف توفقون بين تطوير الإعلام وما يتطلبه ذلك من شفافية وبين الحفاظ على التوافق مع بقية الوزارات؟

هناك مجموعة من النقاط التي توضح هذا السؤال، وكلها تتمحور حول الإعلام ودوره، خاصة في ظروف الأزمة. فالإعلام هو انعكاس ومرآة لعمل الحكومة في الإطار العام كما هو صلة الوصل بين المواطن وبين الحكومة والدولة ومؤسسات الدولة، والإعلام السوري يسعى لأن يكون صوت المواطن، بل نحن منحازون للمواطن. ومع أننا جزء لا يتجزأ من الحكومة إلا أن أغلب الوزارات تعاني من ضغط الإعلام في نقله للحقيقة دون تجميل، كما قد يتخيل البعض، ولكن النتيجة في المحصلة أن المواطن هو هدف الحكومة والدولة وهو مؤشر العمل، فعندما ينقل الإعلام رأي المواطن والشارع بشفافية فإنما يعطي الحكومة المؤشرات الصحيحة لما هو قائم ولما يجب أن يكون، لا سيما وأن الرئيس بشار الأسد قال أن رضى المواطن هو بوصلة عمل الحكومة، ولكن وبالتوازي مع ذلك يجب على المواطن أن يكون واعياً للظروف التي تعمل فيها الحكومة إلى جانب التحوّط من “الطابور الخامس” الذي يعمل على الترويج لفكرة أن الحكومات فاشلة بتضخيم بعض النواحي البسيطة واختلاق ما لم يوجد أصلاً، ما يرتد سلباً في النهاية على المواطن ومن ثم على سورية، ومن هنا يعمل الإعلام السوري على تدعيم الجبهة الداخلية إلى جانب الجيش العربي السوري تكملة لإنجازاته وتضحياته، أي أن الإعلام سلطة رابعة بالأداء وليس بنصوص القانون من خلال الإشارة إلى مواطن الخلل بصدق وشفافية، مع وجوب دعم الحكومة في أي إجراء هام تقدم عليه لرفع سوية الأداء والواقع الاقتصادي والخدماتي والاجتماعي. وبشكل عام واجبنا كإعلاميين نقل الحقيقة كما هي بمسؤولية وموضوعية رغم صعوبة وحساسية هذه المهمة وتعقيدها.

في كل مناسبة يتطرق الرئيس الأسد للإعلام ودوره، كيف كانت أجواء ترؤسه للاجتماع الأول للحكومة، وما كانت توجيهاته؟

لقد كانت توجيهات الرئيس بشار الأسد واضحة بأن يأخذ الإعلام دوره، وأن يترك للإعلام صياغة عباراته ورسالته الوطنية بطريقته الخاصة بعيداً عن الصيغة الجاهزة أو حتى المقولبة، وأن يتعامل الإعلام مع الأحداث كخبر ولكن بمصداقية ووضوح لتعزيز الثقة بين المواطن والإعلام الوطني والسعي لردم الفجوة بينهما، مع التأكيد أن الإعلام يلقى الدعم الكامل من الرئيس. وبالفعل، فقد بات الإعلام الوطني على سوية أعلى مما كان عليه سابقاً، وباتت أجهزة الإعلام السوري المصدر الرئيسي لأكثر الأخبار دقة وحساسية، بل إن بعض المنابر التي اشتهرت بنقلها للأخبار باتت القنوات السورية مصدرها الرئيسي. وبالتالي فالإعلام السوري محل رعاية واهتمام على أعلى مستوى من الدولة السورية