2020 عام التحولات الكبرى في الاقتصاد العالمي

لم يتعاف الاقتصاد العالمي في عام 2019. هو رحّل أزماته الى العام 2020، بدءاً من تعثر النمو الاقتصادي الذي سجل أدنى معدلاته منذ الأزمة المالية التي ضربت العالم في 2008، متأثراً بالتوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وغيرهما من دول العالم، إلى سياسات دونالد ترامب وموقفه من التغير المناخي، وهي أمور مرشحة لأن تكون أكثر توتراً في العام الجديد، ما ينذر بمزيد من التوترات والخلافات وتأجيج الاحتجاجات المطلبية العالمية.

شبح الأزمات

في العالم لا يزال شبح أزمة عامي 2008 و2009 يلوح في الأجواء، إذ أن توقعات كثيرة تشير الى أن العالم قد يتعرض لأزمات أقسى من الأزمة المالية العالمية قبل 11 سنة خصوصاً في ظل ارتفاع المديونية العالمية وحروب ترامب التجارية خصوصاً مع الصين والأخطار الناجمة عن الاختلالات الهيكلية في منطقة اليورو مع الأزمات التي يعيشعا بعض الدول الأوروبية.

اقترب العالم في 2019 من اضطراب اقتصادي بسبب ارتفاع تكاليف الإقراض، وزيادة مخاطر الديون، والتقلبات في الأسواق العالمية، وهجرة النقد من الأسواق الناشئةن فيما استعرت الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين. ويمكن القول أن العوائد المالية المرتفعة في كلٍّ من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان سحبت رأس المال بعيدًا من الأسواق المالية الناشئة لكنها لم تصل الى مرحلة أثرت فيها على استقرارها. وبما أن عدداً من الدول النامية عجزت عن سداد ديونها الخارجية بسبب ارتفاع الفائدة على النقد الأجنبي، ودخلت في أزمات، مثل تركيا إلا أن الخطر الأكبر بقي في المديونية العالمية، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، أي إلى 220% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018 .

بدت المشكلة الاكبر في الاقتصاد العالمي تتركز في السياسة الاقتصادية الاميركية، فمنذ أن اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار التخفيضات الضريبية زادت نسبة العجز في ميزانية البلاد إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، وهو أعلى معدل على الإطلاق في الظروف العادية. كما أن رفع معدلات الفائدة من خلال البنك الفيدرالي قد أثر على ارتفاع الأسعار. وكذلك فإن الحرب الاقتصادية مع الصين أثرت على حركة الاقتصاد العالمي نتيجة توجس المستثمرين والمصدّرين، فيما شهد الاقتصاد الصيني تقلبات مماثلة، بعد تشديد الحكومة على سياسة الائتمان وخفض الإقراض، إلى جانب تضخم سوق العقارات، وارتفاع ديون الأسر إلى 110% من الدخل. فيما استمرت المشكلات قائمة في منطقة اليورو، بسبب تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي. لكن حرب الرسوم الجمركية التجارية بين الصين وأميركا أخذت ابعاداً مختلفة في 2019، فتراجعت بعد اجراءات قاسية من جانب الولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه دفعت الصين إلى تغيير سياستها الاقتصادية، مثل تثبيت مستوى الديون، واتخاذ مزيد من إجراءات التقشف، وتخفيض الضرائب على الشركات، واتباع سياسات مختلفة لإدارة العجز المالي.

الأنظار تتجه إلى أميركا

تقارير المؤسسات الدولية ومنظماتها لا تتوقع أن يكون العام 2020 أفضل من 2019، إذ وفق منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي لن يتخطى النمو العالمي خلال السنة 2020، أكثر من 2.9%، كما في العام 2019، وهو أدنى مستوى يسجله منذ الأزمة المالية عام 2009، فرئيسة قسم الاقتصاد في المنظمة لورانس بون ترى أننا نعيش في مرحلة قلقة. أما صندوق النقد الدولي، فكان أكثر تفاؤلا، فقد توقع في تقريره “آفاق الاقتصاد العالمي” نموا بنسبة 3.4% في 2020، ولو أن مسؤولة الاقتصاد في المؤسسة المالية غيتا غوبينات حذرت من أن هذا الانتعاش “يبقى هشا”.
كل الأنظار تتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، فكما كان دونالد ترامب نجم الحروب التجارية مع العالم خلال السنتين الماضيتين، يتوقع أن يسير الاقتصاد العالمي على طريق مختلف عن التبادل الحر والازدهار التجاري في حال عبر من مساءلته وعزله أميركياً بعد الاتهامات التي وجهت اليه من الديموقراطيين والقضاء الأميركي في موضوع التسريبات الأوكرانية. وقد كان التبادل الحر سقط مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل أكثر من 3 سنوات، إذ دخل في مواجهة تجارية وكذلك تكنولوجية مع الصين، انعكست سلبا على النمو العالمي، وكذلك مع أوروبا ودول عدة في العالم، فيما سيقضي بريكست على النهج التعددي في العالم.

محطات 2019

تأثر نمو الاقتصاد العالمي في 2019 بالنزاعات والتحولات التي شهدتها دول العالم، والمرشحة لأن تستمر في 2020، إلا إذا حدث تغيير كبير في الولايات المتحدة الاميركية مع الانتخابات الرئاسية. فالصعوبات التي عاشها الاقتصاد العالمي في 2019 كان أبرز اسبابها النزاعات التجارية وغموض ملف بريكست الذي أخذ يتضح بعد الانتخابات المبكرة وفوز بوريس جونسون مجدداً حيث تشير التوقعات الى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سينجز في الربع الأول من 2020. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2019، تخلص البريطانيون من الغموض الذي غلف ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكست” عندما منحوا حزب المحافظين أغلبية برلمانية تمكنه من المضي قدما في تنفيذ خطته الحاسمة لمغادرة الاتحاد الأوروبي نهائياً.ومن الصعوبات أيضاً تأرجح سياسات البنوك المركزية، وان كانت نهاية العام 2019 حسمت حالة عدم اليقين التي كبلت الاقتصاد العالمي على مدار الأشهر الماضية ما يعني أن 2020 قد يكون مختلفا.لكن بنسب معينة.

وشكل شهر كانون الاول/ ديسمبر 2019 محطة خففت قليلاُ حجم الحرب التجاري العالمية، حين توصلت الصين والولايات المتحدة أخيرا إلى اتفاق مرحلي للتجارة بينهما، وبموجب هذا الاتفاق سيخفض البلدان الرسوم الجمركية المتبادلة، كما سيتجهان إلى مراحل تجارية جديدة من شأنها زيادة التبادل بينهما. لكن هذا الاتفاق قد لا ينهي مسألة الرسوم المتبادلة، خصوصاً اذا ما تبين أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب قد نجا من عزل الكونغرس ومجلس الشيوخ له. علماً أن ملفي بريطانيا والحرب التجارية كانا من أكثر الملفات تعقيداً وتأثيراً في الاقتصاد العالمي، وبسببهما توقع صندوق النقد الدولي أن تتراجع معدلات النمو العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية.

مخاطر واحتمالات

كان 2019 عام التوترات التجارية والمخاطر السياسية، وهما أثرتا على الاقتصاد العالمي، لكن هناك توقعات إيجابية بالنمو على مستوى العالم بشأن عام 2020، بعدما أبرمت الولايات المتحدة الأميركية والصين اتفاقهما التجاري جزئيا، واتضحت إلى حد بعيد التوقعات بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويعني الاتفاق بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ أنه يبدو أن بعض أسوأ السيناريوهات التي كان يتم تصورها قبل أشهر قليلة أصبح احتمال حدوثها أقل الآن، من دون أن يعني ذلك أن الأمور انتهت عند هذا الحد. فالمرحلة الأولى من الاتفاق لم تتضمن تسوية بعض المسائل المعقدة، ما يمهد الطريق لمواجهات جديدة، فيما يسعى ترامب لإعادة انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. وتشمل المسائل العالقة الشكاوى الأميركية بشأن شبكة شاسعة من الإعانات تتراوح من الكهرباء الرخيصة إلى القروض منخفضة الفائدة التي استخدمتها الصين لبناء قوتها الصناعية. ويقول خبراء في بلومبرغ إن من شأن اتفاق تجاري يعيد الرسوم إلى مستويات مايو/ أيار 2019، وهذا يعني بالنسبة لأميركا فرض رسوم بنسبة 25 في المئة على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار وبنسبة 10 في المئة على واردات بقيمة 200 مليار دولار أخرى، ويخفض مستوى عدم اليقين، يمكن أن يؤدي إلى تعزيز إجمالي الناتج المحلي لدول العالم عام 2020 بواقع 0.6 في المئة. أما انهيار المحادثات وزيادة الرسوم وبالتالي إلغاء الاتفاق، فسوف يؤدي ذلك إلى انخفاض الناتج العالمي بواقع 0.1 في المئة. وأوضح الخبير الاقتصادي توم أورليك في وحدة الأبحاث الاقتصادية “بلومبرغ إيكونوميكس”، إن الفوز الكاسح لحزب المحافظين البريطاني بزعامة رئيس الوزراء بوريس جونسون في الانتخابات يعني أنه من المقرر أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 31 يناير كانون الثاني/ يناير 2020. كما أن النتيجة التي من شأنها أن تحرك الانتعاش، المقترن بسياسة مالية أكثر يسرا، يجب أن تؤدي إلى تسريع وتيرة النشاط الاقتصادي على نحو أسرع مما كان عام 2019. وفي الوقت نفسه يجب أن يتفاوض جونسون الآن بشأن اتفاق تجاري جديد مع الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام 2020، ما يعني إمكانية ظهور حالة غموض جديدة.

ووفق رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، فإن الاقتصاد في منطقة اليورو يظهر علامات على الانتعاش، فيما قال رئيس الاحتياطي الاتحادي الأميركي جيروم باول إن التوقعات للولايات المتحدة لا تزال مشجعة. وقالت الحكومة الصينية إنها سوف تحسن فاعلية السياسة المالية في 2020، بينما تعتزم اليابان تطبيق سياسة جديدة للتحفيز المالي.

هل العالم أمام أزمة مالية؟

برغم الأجواء الإيجابية في نهاية 2019، إلا أن تقارير عدة كانت اشارت الى احتمال نشوب أزمة مالية عالمية جديدة في 2020. فقد تحدثت إدارة المخاطر في بنك “جي بي مورغان” الأميركي عن إمكانية نشوب أزمة مالية عالمية جديدة عام 2020، على إثر حالة الركود الاقتصادي المتوقعة خلال الفترة المقبلة. وأفاد تقرير لصحيفة التايمز نشر في نوفمبر: تشرين الثاني 2019 ، بأن الفترة الحالية يسودها قلق عالمي، خشية حدوث ركود اقتصادي وشيك، ما قد يتسبب بحدوث أزمة مالية عالمية مشابهة لتلك التي حدثت في 2008، ما قد يتسبب بانهيار في بعض الاقتصادات وزيادة الديون الخارجية لبعضها.
لكن خبراء أخرين يعتبرون أن هناك مبالغة في هذه التوقعات، إذ لا يوجد مؤشرات تدل على احتمال نشوب أزمة مالية عالمية. فالأزمة المالية العالمية تكون مؤشراتها مرتبطة بحجم المديونية الخارجية خاصة إذا عجزت بعض الدول عن السداد. في حين أن مؤشرات نشوب أزمة مالية عالمية ضعيفة إلى الآن، لأن معدل النمو في أميركا جيد، ومعدل البطالة فيها انخفض أيضا، ووصل إلى 3.5 في المئة. وتحدث الأزمة إذا انخفض ناتج الدولة، علماً أن الدول الأوروبية هي الوحيدة التي تعاني حاليا وخاصة ألمانيا، بسبب الركود. ويؤكد الخبير المالي الأميركي ستيف آيزمان أنه “لن تكون هناك أزمة معمّمة”، ويرى المستثمر الذي اشتهر لتنبّؤه بانهيار النظام المالي الأميركي قبل نحو عقد، أن الاقتصاد قد يستمر في تسجيل نمو بطيء أو يدخل في انكماش نمطيّ مع تباطؤ اقتصادي وخسارة عدد من الأفراد مبالغ مالية، من دون أن تكون الأزمة المالية شاملة. إضافة إلى ذلك، فان انتخاب رئيس ديموقراطي يطبق سياسة ضريبية أكثر تشددا مع الثروات الكبرى، ويهاجم بشكل مباشر ضخامة حجم شركات الإنترنت الكبرى، ويشدد التنظيمات المراعية للبيئة والمناخ، سيعيد الاقتصاد العالمي الى طريق مختلف، إذ أن تقاسم المداخيل والرقمنة والمناخ تشكل ثلاثة تحديات ستهيمن على الاقتصاد العالمي إلى ما بعد العام 2020.

ثقة المستثمرين

منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي كانت أوضحت في تقرير لها حول حول آفاق نمو الاقتصاد العالمي، قبل الاتفاق الأخير بين واشنطن وبكين، أن تصاعد وتيرة التوترات التجارية بين الاقتصادين الأكبرين على مستوى العالم (الولايات المتحدة والصين) يلقي بظلال سلبية على ثقة المستثمرين في مناخ الأعمال العالمي، ويضيف مزيداً من الضبابية والتخبط على التعاملات بالأسواق العالمية، ومن ثم تقويض آفاق النمو العالمي. وهي دعت الحكومات للتحرك من أجل احتواء تداعيات حالة الضبابية المسيطرة على الأداء الاقتصادي، والعمل على جذب مزيد من الاستثمارات من أجل الحد من المخاطر التي تواجه آفاق نمو الاقتصاد العالمي. فالحكومات لا تقوم بما يكفي لمنع حدوث ضرر طويل المدى. وقالت إن مستقبل الاقتصاد العالمي مليء بالغموض ويتسم بالهشاشة… وتصاعد التوترات التجارية يترك آثاراً سلبية على الثقة والاستثمار.

ويبدو أنه بمعزل عن الاتفاق، هناك حاجة عاجلة لجهود موحدة لوقف تراكم الرسوم المعرقلة للتجارة، إذ يجب أن تبقى السياسة النقدية قابلة للتكيف بصورة كبيرة في الاقتصادات المتقدمة، ولكن يمكن تعزيز تكيف السياسة النقدية إذا صاحبتها سياسة نقدية وهيكلية أكثر قوة.
ويذكر أن منظمة التعاون والتنمية خفضت احتمالات النمو لغالبية دول مجموعة العشرين، خصوصاً تلك المعرضة لتراجع التجارة والاستثمار العالمي. وكتبت المنظمة أن تصاعد التوترات التجارية يؤثر بشكل متزايد على الثقة والاستثمارات، ويزيد من حالة غموض السياسات، ويزيد من مشاعر الخوف من المخاطرة في الأسواق المالية، ويعرض احتمالات النمو المستقبلي للخطر. كما خفضت توقعاتها للنمو الاقتصادي في منطقة اليورو التي تضم 19 بلداً إلى واحد في المئة في 2020، بينما كانت تتوقع في السابق زيادة النشاط الاقتصادي في هذه المنطقة.

وجهات نظر حول الاقتصاد العالمي

نشرت وسائل اعلام عالمية مقالة كانت نشرتها ايلينا تريغوبوفا في “أرغومنتي إي فاكتي” حول ما ينتظر الاقتصاد العالمي في 2020. وقالت: “وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة قبل أكثر من 10 سنوات، وبما أن دورة الاقتصاد تتكرر، وفقا للعديد من الخبراء، ينتظر العالم أزمة اقتصادية وشيكة، فما هي العوامل التي تدفع نحو أزمة كهذه، وما هي العوامل التي تحد من احتمال حدوثها؟

ترى الكاتبة أن الحرب التجارية ستخفض إجمالي الاستهلاك العالمي. في حين أن التوقعات تشير إلى نهاية النمو غير المسبوق للاقتصاد العالمي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الإقراض والاستثمار والاستهلاك، حيث يتخذ عدد من المؤسسات الاقتصادية الفاعلة مواقف وإجراءات حذرة بشكل متزايد. تعتقد أن أقصى ما ننتظره هو تباطؤ في الاقتصاد العالمي إلى مستوى 2.5% عام 2020، وذلك ليس أمرا سيئا للغاية. قد يؤثر ذلك في المقام الأول على اقتصادات الدول التي تعتمد على المواد الخام، حيث أن أسعار المواد الخام في مثل هذه الحالة عادة ما تنخفض. لكن معظم هذه الدول، بما فيها روسيا، لديها احتياطيات كبيرة تسمح لها بالبقاء على قيد الحياة من التدهور الموقت للوضع الاقتصادي دون عواقب وخيمة.

في المقابل، كلما ارتفع معدل نمو الاقتصاد في بلد ما، زاد هبوط نمو الاقتصاد، إذا ما تغيرت ديناميات الاقتصاد العالمي من النمو إلى الركود، ومن وجهة النظر هذه، فإن أسوأ وضع في الاقتصادات العالمية سوف يكون من نصيب جنوب شرق آسيا، بينما سيكون الوضع أفضل في الدول المتقدمة، ولكن بسبب عولمة الاقتصاد العالمي، فإن الجميع سوف يتأثر بدرجة ما.

وبينما تباطأت وتيرة الاقتصاد العالمي، وهو ما تؤكده بيانات البنك الدولي، ففي عام 2017، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.16%، وفي عام 2018 بلغ 3.04%، وأما في عام 2019 فمن المتوقع أن يكون أقل من 3%، فإن ديون الشركات في جميع أنحاء العالم تنمو وتقترب من مستوى 19 تريليون دولار، بينما تقترب ديون الحكومات إلى أكثر من 80 تريليون دولار، وهو ما يمثل حوالى 115% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي أن الإنتاج العالمي لن يوفر إجمالي الدين الخارجي للبلدان. ويكفي لاندلاع الأزمة العالمية إعلان عن توقف الشراكة بين شركاء دوليين، أو توقف صندوق استثماري عن متابعة استثماراته الخارجية، لنكون بصدد ركود يمكن مقارنته بسنوات 2008-2009، أو حتى بالركود العظيم في الثلاثينيات من القرن الماضي.

ركود اقتصادي

تشير تقارير إلى أن مجموعة من الدول الكبرى والمحورية يتوقع أن تعاني من ركود اقتصادي في عام 2020، فاقتصاد المملكة المتحدة تأثربصورة كبيرة، حيث تقلص نموها الاقتصادي للمرة الأولى منذ عام 2012، وقد يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد إلى حدوث ركود حاد في الاقتصادي البريطاني. ومن المتوقع أن تعاني ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، من الركود، خاصة في ظل الانخفاض المستمر في قطاع الصناعات التحويلية، وكذلك مبيعات السيارات العالمية الضعيفة.

واستمر الاقتصاد الصيني في التباطؤ في خضم الحرب التجارية، رغم أنه لم يمر بعد بحالة من الركود. وقد توقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 5.8% فقط لثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2020، منخفضاً من 6.6% في عام 2018، و6.1% في عام 2019.

ووفق توقعات صندوق النقد الدولي فإن اقتصادات المنطقة تعصف بها الازمات، وقال الصندوق في تقريره إنّ خفض توقعات النمو في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا سببه التراجع في اقتصادي إيران والسعودية. وذكر أنّ “الاضطرابات في اقتصادات اخرى، بينها ليبيا وسوريا واليمن، تلقي بثقلها على آفاق المنطقة، وتراجعت أسعار النفط والغاز، المصدرين الرئيسيين للإيرادات في المنطقة، بنسبة 13 في المئة بين نيسان/ابريل وتشرين الاول/اكتوبر، على أن تواصل أسعار الخام انخفاضها حتى العام 2023، واعتبر الصندوق ان الهجمات ضد المنشآت النفطية في أرامكو شرق السعودية خلقت توترات وعدم يقين في المنطقة، خصوصا انها جاءت بعد هجمات تعرّضت لها ناقلات نفط وسفن في مياه الخليج.

وبالنسبة للإمارات، صاحبة أكثر الاقتصادات تنوعا في المنطقة، فقد انخفضت توقعات النمو إلى 1,6 في المئة بعدما كانت تتراوح عند عتبة 2,8 في المئة، وذلك على خلفية تراجع اسعار النفط وتباطؤ اقتصادي في دبي، كما تراجعت توقعات النمو في الكويت وقطر وسلطنة عمان.

تباطؤ نشاط المدن العالمية

في تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية أن من بين 900 مدينة رئيسية حول العالم، ستشهد 586 أي ثلثيها تباطؤاً في النمو الاقتصادي بين 2020 و2021، خصوصاً على خلفية تراجع في التجارة الدولية، وفق دراسة لمركز “أوكسفورد إيكونومكس”.
وتشكّل لندن وحيدةً استثناءً في هذا الإطار من بين عشر أكبر مدن من حيث الناتج المحلي الإجمالي، إذ يتوقع أن تشهد زيادةً في النمو، بنسبة 2,1% في 2020-2021 مقابل 1,5% في 2018-2019. أما باريس، فستعرف تراجعاً في النمو إلى 1,7%، أي بنسبة 0,2%.
وأوضح الباحثون في دراستهم أنه “في فرنسا، كانت ليون المدينة الأفضل من حيث الأداء في وقت مبكر هذا العقد، لكن نموها أيضاً قد تباطأ”.
ولن تكون نيويورك أيضاً بمنأى عن هذا التراجع حيث يفترض أن تبلغ نسبة نموها الاقتصادي 1,8%، مقابل 2,2% في 2019.
ويرى الباحثون أن “السبب الرئيسي هو بوضوح تباطؤ التجارة العالمية”، مشيرين إلى أن العديد من المدن حول العالم تحتوي على قطاعات صناعية هامة. وهي لذلك “ستتأثر مباشرة بتباطؤ النمو التجاري العالمي”، بحسب الدراسة.
وفي بعض الحالات، يمكن ملاحظة أثر التباطؤ على مستوى المدينة بشكل أوضح من على مستوى البلاد، خصوصاً عندما يشكل قطاع التصنيع المكون الأبرز للاقتصاد المحلي.
ويشير الباحثون في هذا الإطار إلى مدينة برشلونة في إسبانيا، التي يمثل فيها هذا القطاع نسبة 19% من الاقتصاد المحلي. وفي تايبيه في تايوان، يحتل القطاع نسبة 23% من الاقتصاد المحلي.
لكن التباطؤ في قطاع التصنيع لا يكفي لفهم كل خلفيات هذا التراجع المرتقب في النمو. ويؤثر تباطؤ التجارة العالمية أيضاً على الطلب في قطاعات خدماتية على وجه خاص، مثل السفر والتأمين، التي غالباً ما تكون مراكز أعمالها في المدن. ويشرح الباحثون أنه “إضافة إلى ذلك، يوجد آثار غير مباشرة للتباطؤ على تكاليف الاستهلاك، عبر خفض الرواتب وتراجع فرص العمل”.
أما بالنسبة لصعوبات قطاع التصنيع، فلا يمكن تفسيرها فقط انطلاقاً من النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها الدوليين، والتي تضعف التبادل التجاري حول العالم.
في أوروبا، ما زال بعض المدن التي تضم أبرز مصانع السيارات تشعر بوقع وضع إجراءات مضادة للتلويث حيز التنفيذ في عام 2018. ويجب على تلك المدن التأقلم أيضاً مع الارتفاع في الطلب، حيث بات المستهلكون يتجهون عموماً نحو اختيار سيارات كهربائية او هجينة تعتمد على أكثر من مصدر للطاقة.
وتعيش مدن أخرى مثل سنداي في اليابان ظروفاً خاصة حيث مرحلة إعادة الإعمار بعد الكوارث الطبيعية باتت على وشك الانتهاء.
وفي أميركا اللاتينية، تضغط الأزمات والاضطرابات السياسية على اقتصاد المدن. وبحسب الدراسة فإن “كراكاس بوضوح أكثر المدن الكبرى معاناةً”.
وفي الولايات المتحدة، قد تكون مدينة سان خوسيه الواقعة في سيليكون فاليه أكثر المدن التي سيكون تباطؤ نموها ملحوظاً، وفق الدراسة.
في آسيا، سيعاني نمو المدن الصينية كذلك من صعوبات، بينما المدن الهندية في موقع ازدهار.
ويخلص الباحثون في دراستهم إلى أنه “بحلول عام 2035، ستكون المدن الآسيوية قد تخطت عالمياً مدن أميركا الشمالية وأوروبا”. وتضيف أن “أربع مدن صينية ستكون بين أول عشر مدن في العالم (من حيث النمو)، لكن نيويورك وطوكيو ولوس أنجليس ولندن ستبقى الأكبر من حيث الناتج المحلي الإجمالي”.

هل تتأثر الدول العربية؟

يشدد الخبراء على أن أثر الأزمة المالية العالمية إن حدثت في عام 2020 على الدول العربية لن يكون قويا، باعتبار أن أغلب اقتصادها ريعي. فالدول العربية هي خارج إطار التأثر بالأزمات المالية العالمية، فأغلب اقتصادياتها تعتمد على النفط، فلو انخفض سعره فستنخفض إيراداتها، لكن دول الخليج عندها احتياطيات نفطية جيدة، وبالتالي فإنها يستطيع أن تسحب منها وتمر من الأزمة”. أما الدول العربية الأخرى فلا يرتبط تصديرها بالاقتصاد العالمي، خاصة أن بعضها يصدر كميات محدودة من المعادن كالنفط في الجزائر والفوسفات في الأردن. لكن قد تتأثر بعض هذه الدول بسبب انخفاض السياحة وتحويلات مواطنيها من الخارج.

مجلة البنك والمستثمر

العدد 229 – كانون الثاني 2020