“وثائق بنما” قد تجعل من الولايات المتحدة ملاذاً ضريبياً جديداً

شملت رؤساء و شخصيات عالمية واستثنت المسؤولين الأميركيين

  “وثائق بنما” قد تجعل من الولايات المتحدة ملاذاً ضريبياً جديداً

تلقت المؤسسات العابرة للحدود في العالم ضربة موجعة بعد أن نشر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين تحقيقاً واسعاً في تعاملات مالية خارجية لعدد من الأثرياء والمشاهير والشخصيات النافذة حول العالم، استنادا إلى 11.5 مليون وثيقة سُرِّبت من شركة “موساك فونسيكا” للمحاماة في بنما واحتوت على بيانات مالية لأكثر من 214 ألف شركة في أكثر من مئتي دولة ومنطقة.الوثائق المسربة التي باتت تعرف بـ “وثائق بنما”  تغطي فترة تتجاوز أربعين عاما، من 1977 حتى ديسمبر/كانون الأول 2016 وتبين أن بعض الشركات التي توجد مقراتها الرسمية في ملاذات ضريبية تُستغل في ما يشتبه في أنها عمليات غسل أموال وصفقات سلاح ومخدرات إلى جانب التهرب الضريبي.

غياب الشركات الكبرى

وفيما كشفت التحقيقات أن شخصيات عالمية ،بينها 12 رئيس دولة و143 سياسيا، استخدمت شركات «أوفشور» للتهرّب من دفع الضرائب وإخفاء الثروات، غابت تماماً الشركات الكبرى والمصارف وأسماء أصحاب الأعمال الكبار عن هذه التحقيقات، الأمر الذي اثار شكوكاً حول الهدف الحقيقي وراء الكشف عن هذه الوثائق خصوصاً وأن المصدر الذي زود صحيفة “تسود دويتشه تسايتونغ” الألمانية أولاً بالوثائق بقي مجهولاً ولم يطلب أتعاباً مقابل هذه الخدمة.ومما اثار الريبة أيضاً أن يكون مبلغ 2 مليار دولار (لأصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) هو أكبر رقم تظهره التحقيقات، بينما تقدر المبالغ المخبأة في “قطاع الأفشور” بما بين 7.8 ترليونات (أقل تقدير) و13 ترليون دولار.ويقدّر الاقتصادي الفرنسي غابرييل زوكمان أن 8% على الأقل من الثروة المالية في العالم موجودة في الملاذات الضريبية حيث تُؤسس شركات الـ”أوفشور” (مصطلح يعني: خارج الأراضي/خارج الحدود القانونية لدولة ما).وكانت دراسة أعدّتها “شبكة العدالة الضريبية” عام 2010، شملت 139 دولة ، قد أظهرت أن  ثروات النخب الرأسمالية العالمية المخبأة في الملاذات الضريبية تتراوح ما بين 7.3 تريليونات و9 تريليونات دولار ،مشيرة إلى أن هذه الثروات  يمكنها سد الديون في تلك الدول، وخلق فائض بحوالى 2 تريليون دولار.

أميركا الرابح الأكبر

توقع الاقتصادي الألماني أرنست وولف أن تجني الولايات المتحدة تريليونات الدولارات، بعد فضيحة بنما، من خلال عملية “إعادة توجيه التدفقات المالية” إلى ولايات أميركية تسعى الآن إلى أن تصبح “ملاذاً ضريبياً جديداً”.ورأى وولف أن فضيحة بنما لن تنهي وجود مناطق جذابة “للأوفشور”، بل ستعيد توجيه التدفقات المالية إلى مناطق أخرى، قد تشكّل بعض الولايات الأميركية التي تطبّق السرية المصرفية مراكز أساسية لها، مشيراً إلى أن “الفضيحة لم تمسّ أي شركة أميركية، ولذلك قد تكون جزءاً من استراتيجية أميركية”. وذكّر وولف بأن الولايات المتحدة تمكّنت مسبقاً من تقويض مبدأ سرية الودائع في سويسرا، إذ باتت اليوم ملزمة بتقديم كل ما تطلبه السلطات الأميركية من معطيات عن المواطنين الأميركيين، كما حصل مع دول أخرى.بدوره، اتهم موقع “ويكيليكس” الإدارة الأميركية بالوقوف وراء الفضيحة، كاشفاً أن  تسريب الوثائق  جاء بتمويل مباشر من الحكومة الأميركية والملياردير الأميركي جورج سوروس.وعن عدم ورود أسماء أي من الزعماء الأميركيين في هذه الوثائق ، نقل موقع”fusion”  عن  الأستاذة في كلية القانون في جامعة يوتا الأميركية شيما باراداران قولها أن الأميركيين قادرون على تسجيل شركات وهمية في ولاية وايومنغ، أو ولاية ديلاوير، أو ولاية نيفادا الأميركية، بما يستثني الحاجة للذهاب إلى بنما من أجل تدوين شركة وهمية لاستغلالها هناك في أنشطة لا مشروعة.ويتفق مع بومان في هذا الرأي كبير المستشارين لدى شبكة العدالة الضريبية  TJN، جيمس هنري، حيث يشير إلى أن الأميركيين يستخدمون “الأوفشور” في كل الأوقات، وهم من الرواد الذين لجؤوا إلى تلك الأساليب.لكن رغم غياب الشركات الأميركية الكبرى عن  الوثائق المسربة، صرحت منظمة”Oxfam”  العالمية غير الحكومية، بأن الشركات الأميركية قامت بتحويل ما يزيد على 1.4 ترليون دولار لخارج البلاد عن طريق شركات الـ”الأوفشور” وذلك بغية التهرب من الضرائب.

مجلة البنك والمستثمر
العدد 185 _ شهر أيار 2016