المصارف ترفع ملاحظاتها حول التعميم 154

في أول تعليق رسمي لجمعية المصارف اللبنانية، وبعد اللغط الذي ساد بين المصارف، والذي تراوح بين الترحيب والتحفّظ، تبيّن انّ لدى الجمعية مروحة واسعة من الملاحظات على التعميم الرقم 154 الذي أصدره مصرف لبنان. ومن خلال التمعّن في الملاحظات التي جرى رفعها الى حاكم مصرف لبنان، يتضح وجود ثغرات عميقة في التعميم، وفي طرق تنفيذه، بما يُحتّم اجراء تعديلات جذرية في مضمون التعميم، أو الغاؤه، لئلا تكون نتائجه عكسية، ويتسبّب بأضرار تفوق الايجابيات الموعودة.
رفعت جمعية المصارف اللبنانية كتاباً الى حاكم مصرف لبنان، أوردته ملاحظاتها على التعميم 154، المتعلق بإجراءات طلب التعميم تنفيذها بهدف امتثال المصارف للمعايير القانونية، وبهدف استعادة قسم من اموال خرجت من لبنان منذ منتصف العام 2017. وجاء نصّ الكتاب على الشكل التالي:
الموضوع: القرار الاساسي رقم 13262 تاريخ 27-8-2020 المتعلق بإجراءات استثنائية لإعادة تفعيل عمل المصارف العاملة في لبنان، والمرفق بالتعميم الاساسي رقم 154
يشير مجلس ادارة جمعية مصارف لبنان الى القرار الاساسي المذكور اعلاه، راغباً ان يستنير من سعادتكم حول بعض بنوده، وان ينقل اليكم بعض الملاحظات والهواجس المتعلقة به، معتمداً على حرصكم المستمر على التعاون مع الجمعية خدمة للقطاع المصرفي بشكل خاص وللمودعين بشكل عام، كما يظهر من غاية القرار المذكور الآيلة الى تعزيز السيولة لدى المصارف لا سيما لدى مراسليها في الخارج.
اولاً- في استيضاح بعض بنود القرار
تضمن القرار بعض القواعد التي طرحت اسئلة حول مضمونه، نستعرض بعضها بإيجاز تباعاً حسب المواد على الشكل التالي:
1 – في ما يتعلق بالخطة المشار اليها في المادة الاولى من القرار، يُطرح السؤال عن مميزات الخطة الواجب وضعها من قبل كل مصرف، لجهة تقدير مضمونها وتخمين ميزانية المصرف، علماً أنّ جزءاً مهماً من الخطة يرتبط بخطة الحكومة.
2 – تتضمن المادة الثانية موجبات مختلفة:
أ- فهي تضع على عاتق المصارف تحت فقرة اولاً، موجب «حث» العملاء المشار اليهم في القرار على ايداع مبلغ يوازي 15 % من المبالغ المحولة في حساب خاص. والاسئلة في هذا الاطار كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
– متى يعتبر المصرف انه نفّذ موجب «الحث»، هل عبر الانذار ام بطريقة اخرى؟
– كيف تُحسب المبالغ المحولة الى الخارج؟ هل على مجموع التحاويل بصرف النظر عن اهدافها؟ وهل تُحسب على الرصيد في حال اعاد العميل سابقاً اموالاً من الخارج؟
– هل يُطبّق القرار على مختلف العملاء، مثل اصحاب الودائع الائتمانية، وحسابات غير المقيمين، وحسابات الشركات والجمعيات، وهل يشمل عمليات شراء وتحويل القيم المنقولة والتحويلات التي جرت تسديداً لنفقات مثل ثمن عقار او مصاريف مختلفة.
– هل يُلزم العميل بإعادة 15% مما يفوق الخمسمئة الف دولار اميركي ام من المبلغ بكامله، بمجرد انّه يتخطى مجموع التحويلات هذا السقف؟ وكيف يُطبّق على التحويلات من الحسابات المشتركة، وعلى الحسابات التي تمّ اقفالها ولم يعد اصحابها زبائن لدى المصرف؟
– انّ هذه الفقرة استخدمت عبارة «ان يودعوا» (خلافاً للعبارة المستعملة في الفقرة ثانياً للمستوردين الملزمين «ان يحولوا من الخارج») فهل هذا يعني انه يمكن للعميل ان يودع في الحساب الخاص مبالغ من حساب مصرفي آخر داخل لبنان؟
ب- اما المقطع ثانياً من المادة الثانية، فهو يتناول كبار المساهمين والادارات العليا التنفيذية للمصارف والاشخاص المعرّضين سياسياً، دون تعريف دقيق لهذه المفاهيم. فمتى يُعتبر المساهم انّه من كبار المساهمين، وهل يدخل مثلاً المدير العام المساعد ونائب المدير العام ضمن الادارة التنفيذية العليا، ومن يُعتبر مشمولاً بعبارة الاشخاص المعرّضين سياسياً؟ فنظراً لأهمية القرار، يكون مفيداً تحديد المعنى الدقيق لكل عبارة.
ت- في المقطع رابعاً من المادة الثانية،
– يشير القرار الى موجب اعتماد المصرف الاطار القانوني اللازم لتمتين ثقة العميل باستعادة وديعته مهما كانت الظروف. واذا كان منح العميل لهذه الغاية تعهّداً من المصرف بأن يحتفظ بما يقابل وديعة العميل لدى مراسليه في الخارج، وان يمنحه ضمانة عليها، فمتى يعتبر المصرف انه منح العميل ما يسمح بتمتين ثقته. وماذا لو لم يقتنع العميل؟
– كيف سيتمتع المصرف من السيولة المذكورة اذا كانت خاضعة لضمانات خاصة بها تجعل التصرّف بها مقيّداً؟
3- تتضمن المادة الخامسة في فقرتها الثانية، انّ كل من يتقاعس عن تنفيذ هذا القرار يتعرّض لأن تُنفذ بحقه التدابير والعقوبات المنصوص عنها في قانون مكافحة تبييض الاموال.
أ- فمن هو المعني بهذه الفقرة، المصرف الذي لم يحث، ام ايضا العميل الذي لم يمتثل لتدابير حثه من المصرف.
ب- وهل يتعرّض لهذه التدابير والعقوبة، العميل الذي لم يمتثل حتى ولو كانت التحاويل التي قام بها ناتجة من اموال «نظيفة» تمّ التحقق من كونها لا تخفي فساداً او تهرّباً ضريبياً او اي عمل يُعتبر تبييضاً للاموال؟ وهل انّ القرار يُنشئ جرماً جزائياً ناتجاً من مجرد التقاعس عن تنفيذه؟ هذا مع العلم انّ العميل يمكن ان يرفض تطبيق القرار، بحجة انّ صلاحية مصرف لبنان تتناول تنظيم عمل المصاف، وان لا سلطة لمصرف لبنان على العملاء.
ت- وكيف تأتلف هذه العقوبة مع كون القرار لا يتضمن موجباً على عاتق العميل بإعادة الاموال، بل فقط موجب على عاتق المصرف «بحثه» على ذلك؟
ث- وكيف تُطبّق هذه التدابير والعقوبات بحق اصحاب الودائع المقيمين خارج لبنان؟
ج- وهل تُنفذ نفس العقوبة بحق المصرف الذي لم يطبّق قواعد اخرى نص عنها القرار، مثل تقديم الخطة او سواها؟
4 – واخيراً، انّ المادة السادسة تلقى على مفوضي المراقبة، موجب التحقق من صحة تطبيق القرار واعلام رئيس هيئة التحقيق الخاصة عن تفاصيل العمليات التي يشتبهون انّها تخفي عملية تبييض اموال. فهل يُعتبر تقاعس المصرف او العميل عن تنفيذ القرار بمثابة عملية تبييض اموال ام يقتصر الاعلام عن حالات تبييض الاموال المنصوص عنها قانوناً؟. وفي هذه الحالة الأخيرة، ماذا تكون الحاجة الى اضافة هذه المادة في ضوء وجود قانون مكافحة تبييض الاموال والقرار التطبيقي له؟
ثانياً- في الهواجس الناتجة من هذا القرار
اذ تعتمد الجمعية على رحابة صدر سعادتكم، تلفتكم الى ما يلي:
1 – تخشى المصارف ان يزعزع القرار ما تبقّى من ثقة لدى العملاء في القطاع المصرفي، اذ انّه يلزمهم بإعادة اموال قاموا بتحويلها بشكل مطابق لأحكام القوانين المرعية الاجراء عن طريق ممارسة اكثر حقوقهم بداهة، وهو حق التصرف في اطار نظام اقتصادي حرّ، ويأتي القرار بإلزامهم بإعادتها. وما يزيد الامور صعوبة هو انّ نطاق تطبيق القرار يعود الى 1-7-2017، بحيث يصعب حتى اتهامهم بأنّهم كانوا يحاولون تهريب اموالهم، هذا في وقت اختاروا ان لا يستفيدوا من الفوائد المرتفعة التي كانت تدفعها المصارف للمودعين في هذه الفترة.
2 – اذا اعتبرنا فرضاً أنّه جرى حث بعض العملاء على اعادة 15% من تحويلاتهم الى لبنان، كيف يمكن طمأنتهم انه لن يصدر قرار جديد في المستقبل يرفع هذه النسبة؟
3 – كيف يمكن تبرير انّ هنالك حسابات تتمايز عن حسابات اخرى لجهة ضمان اعادة الوديعة، فهنالك خشية ان تُعتبر الودائع في الحسابات غير الحسابات الخاصة بأنّها اصبحت رسمياً غير مصانة؟
4 – كما تخشى المصارف من عدم المساواة في تطبيق هذا القرار، حيث يُلزم المستوردون مثلاً بأن يحولوا من الخارج مبالغ قد لا يملكونها خاصة وانهم ليسوا مصدّرين، وان الاموال التي قاموا بتحويلها كانت مخصصة لتسديد ثمن البضاعة المستوردة، في وقت يُعفى العملاء الذين حولوا مبالغ تقلّ عن خمسمئة الف دولار من اي موجب.
5 – وتخشى المصارف من استقالة اعضاء مجلس ادارتها، خاصة من المستقلّين الذين وافقوا على الاستمرار رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد والقطاع المصرفي بشكل خاص.
6 – وتخشى المصارف ان يقوم العملاء غير المقيمين بتقديم دعاوى في الخارج ضد المصارف او غيرها بحجة (مبررة ام لا) أنّهم يتعرضون الى التهديد لإجبارهم على تحويل مبلغ الى لبنان؟
7 – واخيراً وخاصة، تخشى المصارف من ردة فعل المصارف المراسلة في الخارج من القرينة التي يضعها القرار لجهة اعتباره انّ التحويلات المصرفية التي تمّت تخفي عمليات تبييض اموال، وان ما تمّ استعادته منها يندرج في هذا الاطار.
انّ جمعية مصارف لبنان، اذ ترجو من سعادتكم تقديم الايضاحات حول القرار المذكور اعلاه، تشكركم مرة جديدة على تعاونكم الدائم، وتتقدّم منكم بفائق الشكر والاحترام.