قراءات في تعميم حاكم مصرف لبنان …

إنطلقت المصارف في تكوين 3 % من العملة الصعبة في الخارج ليصبح في إمكانها التحرّك تجارياً، التزاماً بتعميم مصرف لبنان الأخير الرقم 154، على أن يُطبّق مضمونه في غضون 6 أشهر من تاريخ صدوره، وإلا الخروج من السوق مع ضمان البنك المركزي أموال المودِعين.
أمين الصندوق في جمعية المصارف تنال الصبّاح استنتج في خلاصة تعميم مصرف لبنان، أنه بنتيجة الضغط الذي مارسه البنك المركزي على المصارف عبر وجوب زيادة رأس المال وجلب أموال جديدة Fresh Money، وكأنه بذلك أوجد للدولة مدخلاً لحل الأزمة المالية القائمة”، لكنه رأى في المقابل “ضرورة أن تصبح الخطة الحكومية عقلانية، وذلك بالتنسيق مع البنك المركزي وجمعية المصارف، وصولاً إلى البتّ بموضوع سندات الـ”يوروبوند” والـ”هيركات” بطريقة عقلانية.
وقال الصبّاح لـ”المركزية”: على الجميع أن يساهم في حل الأزمة، وقد يعتبر البعض نفسه مظلوماً أكثر من الآخر، ربما كان ذلك صحيحاً، لكن تعميم مصرف لبنان حول “إعادة تفعيل عمل المصارف” عَقلن ورقة الحكومة الاقتصادية “الهمايونية” التي كانت تسبح في التصريحات الشعبوية، وذلك عبر الآتي:
أولاً: نظّم موضوع الـBail in (تحويل الودائع إلى أسهم في رأسمال المصرف) لبعض المودِعين في المصارف “اختيارياً”، وقال إن البنك المركزي هو الذي يُشرف على تخمين سهم المصرف حالياً، وسيُشرف على تقييم مساهمتهم في المصرف. فخلق البنك المركزي “حوكمة” إضافية لطمأنة دخول المودِعين في رأسمال المصارف، أي فَصَل دور رئيس مجلس الإدارة عن الإدارة.. وهنا أهمية التعميم. إذ أن خطة الحكومة كانت تُطلق عناوين فضفاضة من دون أن تجد لها آلية للتطبيق.
أضاف: فالمودِع الذي لا تقدّم له دولته خياراً بديلاً لودائعه، فأوجد مصرف لبنان هيكلية تركت الخيار للمودِع إن أراد المساهمة في رأس مال أحد المصارف، فالبنك المركزي سيحمي مصالحه، وسيُشرف على تقييم أسهم هذا المصرف بعد خضوعه للـ”هيركات”. كما يقيّم قيمة السهم في حال قرّر المودِع المساهمة، عندها يتم إدراج الأسهم الجديدة في البورصة، الأمر الذي يحرّك الأسواق المالية المحلية.
ثانياً: بالنسبة إلى التجار والصناعيين المستوردين، هناك مادة في قانون النقد والتسليف تنصّ على أنه يجب أن يسدّدوا 15 % من قيمة الاعتماد المفتوح بالعملة الأجنبية، بالعملة ذاتها. إذ تساهلت المصارف سابقاً وأقرضتهم الـ15 % التي يُفترض بهم تأمينها، وكانت لجنة الرقابة تُعاقبنا على هذا التساهل الذي جعل التاجر والصناعي على مرّ الزمن يعدُلان عن دفع شيئ من أموالهما الخاصة. فيما اليوم في حال طُلب تطبيقها مجدداً فذلك التزاماً بقانون النقد والتسليف، كما أن المصارف لم تعد تملك العملة الأجنبية كي تُقرضهم الـ15 %.
أضاف: أما المطالبة بإرجاع هذه النسبة عبر مرور الزمن، فهذا أمر “أخلاقي” عبّر عنه سعادة الحاكم بكلمة “حَثّ” بمعنى “لن نجازيك”، وإن أردتَ أيها الصناعي أو التاجر أو حتى المودِع أن تكون مسؤولاً كمواطن لبناني وترغب في إصلاح البلاد، يجب ألا يبحث كل طرف عن مصلحته. فيُفترض بالمصرف أن يكوّن لديه كتلة نقدية بالعملات الأجنبية، فليُسهِم الجميع في تكوينها.
وذكّر بأن “التعميم الرقم 154 كان أكثر قساوة في حق رؤساء وأعضاء مجالس إدارات المصارف وعملاء المصارف من الاشخاص المعرّضين سياسياً، عبر تطبيق هذا البند إنما بنسبة 30% بدلاً من 15%”. وهذه النسبة ستكوّن 3 % من الودائع التي يجب أن تتكوّن بالعملة الأجنبية، إنما تبقى خارج لبنان لا تخضع للاحتياطي الإلزامي، كما لا يتم إقراضها لمصرف لبنان ولا للدولة، أي أنها شبه محميّة في الخارج وتبقى باسم الزبون الذي استرجعها. هذا الأمر يعيد تشجيع التجارة الخارجية وفتح الاعتمادات وإعطاء “كفالات”، بما يؤدي إلى إنعاش الاقتصاد.
ولفت الصباح إلى أن العمل المصرفي سيصبح أكثر صعوبة “وربما سيُضطر بعض المصارف إلى الخروج من السوق لعدم قدرته على زيادة رأسماله ولا على تكوين الـ3% في الخارج”، مستشهداً بكلام الحاكم رياض سلامة “لن تكون هناك إفلاسات، بل يضع البنك المركزي يده على المصرف ويضمن ودائعه ويعمد إلى تصفِيَته”، مستبعداً أي عملية دمج كونها “مُكلفة”.
وخَلُص الصبّاح إلى القول إن “تعميم مصرف لبنان عَقلن خطة الدولة “الهمايونية” ذات الشعارات غير القابلة للتطبيق، وكان عنوانها إدخال المودِع في المصرف، فأوجد البنك المركزي آلية لكيفية طمأنة المودِع اختيارياً”، وأكد في هذا السياق، أن “القطاع ليس بحاجة إلى الـ100 مليار دولار الخاصة بالمودِعين، كما لن يساهم جميعهم في رأسمال المصارف، وستبقى هناك مشكلة لدى الدولة كيف تسدّد ديونها لمصرف لبنان والمصارف كي ندفع للمودِعين أموالهم…”، وختم: الحكومة المقبلة ستجد في تعميم مصرف لبنان الأخير، أن نصف المشكلة قد حُلّت، يبقى عليها تسديد ديونها وإنشاء صندوق بممتلكات الدولة لتأمين كفالة فقط، على أن تبقى ملكاً لها.