لا فائز في حرب الرقاقات بين واشنطن وهواوي

تستعد صناعات أشباه الموصلات والهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك تلك الموجودة في الولايات المتحدة، لاضطرابات شديدة بعد أن شددت واشنطن مؤخرا من قيودها على قدرة شركة هواوي الصينية العملاقة للتكنولوجيا في الحصول على مكونات حيوية وعلى رأسها الرقائق.

وفي 17 أغسطس/اب، أعلنت وزارة التجارة الأمريكية قرارها بمطالبة المصنعين الأجانب الذين يستخدمون التكنولوجيا الأمريكية بالحصول على إذن في حال كانوا يخططون لبيع أشباه الموصلات لشركة هواوي.

ويقول المحللون إن القاعدة الجديدة التي تهدف إلى كبح نمو هواوي ستثير موجة تقشعر لها الأبدان عبر سلاسل التوريد العالمية.

قمع متصاعد

في العام الماضي، منعت وزارة التجارة الأمريكية الشركات الأمريكية بشكل أساسي من بيع الرقائق المصنوعة في الولايات المتحدة لهواوي. وفي مايو، عدلت الوزارة قاعدة لاستهداف حصول هواوي على أشباه الموصلات التي تعتبر المنتج المباشر لبعض البرامج والتكنولوجيا الأمريكية.

وعلى الرغم من أن قيود مايو قد قطعت عن هواوي إمدادات الرقائق المصنعة خصيصا لها، إلا أن الشركة الصينية تمكنت مع ذلك من شراء رقائق جاهزة مصممة من أطراف ثالثة.

غير أن الخطوة الأخيرة لواشنطن ” تفرض مزيدا من القيود على حصول هواوي على شرائح أجنبية الصنع تم تطويرها أو إنتاجها من برامج أو تكنولوجيا أمريكية بنفس درجة الرقائق الأمريكية المماثلة”، وفقا لما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها على الإنترنت.

ونقلت شبكة ((سي إن بي سي)) عن مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية متخصصة في المخاطر السياسية، قولها: “هذه الخطوة هي أحدث وأخطر جهد من جانب الحكومة الأمريكية لخنق قدرة الشركة على الحصول على أشباه موصلات متقدمة لجميع خطوط أعمالها”.

وردا على ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان في مؤتمر صحفي في وقت سابق من هذا الشهر إن الولايات المتحدة تسيء استخدام مفاهيم الأمن القومي وسلطة الدولة لفرض قيود مختلفة على الشركات الصينية، وهو ما يمثل “عملا سافرا من أعمال الهيمنة”.

وحول هذه الخطوة، يقول المراقبون إن هيمنة القوة العظمى الوحيدة على سوق الرقائق يمنح واشنطن “سلاحا قويا” ضد الشركة الصينية. وقال جيف بلابر من شركة (سي سي إس إنسايت) للأبحاث والاستشارات لصحيفة ((نيكي آسيان ريفيو)) إنه في حين أن صناعة أشباه الموصلات “عالمية بطبيعتها”، إلا أن أساسها “يعتمد بشكل كبير جدا على” الولايات المتحدة.

وقال تقرير لنفس الصحيفة المذكورة أنفا في الأسبوع الماضي، إن “اللاعبين الرئيسيين في تصميم برمجيات الرقائق هم شركات أمريكية”، مشيرا إلى أن “تصنيع الرقائق، مثل التصميم، يعتمد بشدة على صناعة الرقائق الأمريكية ومعدات اختبار الرقائق الأمريكية”.

نتائج عكسية

وبعد فترة قصيرة من قرار واشنطن، عبرت جمعية صناعة أشباه الموصلات في البلاد، والتي تمثل 95 بالمئة من صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، عن ذهولها وقلقها.

وقال جون نيوفر، رئيس الجمعية ومديرها التنفيذي، في بيان نشر على موقعها الرسمي: “ما زلنا نراجع القاعدة، لكن هذه القيود الواسعة على مبيعات الرقائق التجارية ستؤدي إلى اضطراب كبير في صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة”.

وأضاف البيان: “نعيد التأكيد على رأينا وهو أن مبيعات المنتجات التجارية غير الحساسة للصين تدفع البحث والابتكار في صناعة أشباه الموصلات هنا في الولايات المتحدة ، وهو أمر بالغ الأهمية للقوة الاقتصادية لأمريكا وللأمن القومي”.

وذكرت مجلة ((إيكونوميست)) في تقرير لها الشهر الجاري أنه مع وقف المبيعات لشركة هواوي، التي اشترت مكونات بقيمة 19 مليار دولار أمريكي من الشركات الأمريكية العام الماضي، فإن “رؤساء التكنولوجيا يشعرون بالقلق من أن تدفع تصرفات حكومتهم الاستثمارات بعيدا عنهم إلى منافسين في بلدان أخرى”.

في غضون ذلك، توقع تحليل لمجموعة (بوسطن كونسلتينغ) الاستشارية في شهر مارس إن الشركات الأمريكية يمكن أن تخسر 18 نقطة مئوية من حصتها العالمية و37 بالمئة من إيراداتها خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، “إذا حظرت الولايات المتحدة تماما شركات أشباه الموصلات من البيع للعملاء الصينيين، مما يتسبب بشكل فعال في الانفصال تكنولوجيا عن الصين”.

وحذر التحليل من أن هذه الانخفاضات في الإيرادات ستدفع حتما شركات أشباه الموصلات الأمريكية إلى إجراء تخفيضات حادة في الانفاق على البحث والتطوير ورأس المال، مما يؤدي إلى خسارة ما بين 15 ألف إلى 40 ألف وظيفة مباشرة عالية المهارة في صناعة أشباه الموصلات الأمريكية.

آثار تقشعر لها الأبدان

وقال أومو كاكوجاها-ماتوندو، المحاضر والخبير الاقتصادي بجامعة ناميبيا، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن حظر واشنطن لهواوي لا يتسق مع ممارسات التجارة الدولية من حيث الوصول العادل إلى الأسواق، كما أنه يضر بإدخال التقدم التكنولوجي إلى أي مكان في العالم.

وقال خبير في الصناعة لصحيفة ((فاينانشيال تايمز)) إن الحظر أثر على صناع الرقائق الأمريكية مثل (نفيديا) و(إنتل) وغيرهما، منوها إلى أن تشديد القيود من شأنه أن يؤثر على مليارات الدولارات المستثمرة في جميع أنحاء القطاع.

وبين الدفعة الأولى من الضحايا، انخفض سعر سهم شركة (ميديا تيك) التايوانية لصناعة الرقائق بنسبة 10 بالمئة. كما تراجعت أسهم شركة (سوني) اليابانية للإلكترونيات بأكثر من 1 بالمئة في 18 أغسطس.

وعلى المدى الطويل، كما كتب محررو ((وول ستريت جورنال)) في يونيو، قد تواجه البلدان الأخرى خيارا أكثر صعوبة، ” فقد تستاء المسابك في جنوب شرق آسيا التي تعتمد على أعمال هواوي من تعرضها للقواعد الأمريكية العابرة للحدود الإقليمية، وأحد المخاطر هو دفع تلك الحكومات إلى التقرب أكثر من بكين. كما أن هواوي ستسرع جهودها لصنع رقائق باستخدام خبرتها الخاصة وتحقق قفزة تكنولوجية أسرع”.

وبالمثل، أشارت صحيفة ((ساوث تشاينا مورنينغ بوست)) في افتتاحية لها يوم السبت إلى أن “هواوي مصممة على النجاح ولديها موارد كبيرة للبحث والتطوير”، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية تعمل على “تسريع الاستقلالية الصينية”.

كما قال ديفيد بي غولدمان، وهو كاتب عمود في منصة ((بلاتفورم آسيا تايمز)) الإخبارية، إن حظر الرقائق يمنح العالم “حافزا هائلا للالتفاف على” الولايات المتحدة، “مما يزيد من خطر ترك الولايات المتحدة بدلا من الصين بدون كرسي عندما تتوقف الموسيقى”.