مصر: سباق خليجي للاستحواذ على فروع البنوك اللبنانية

عمقت تفجيرات مرفأ بيروت من أزمات مؤسساتها الاقتصادية، وعجلت بتخارج البنوك اللبنانية من مصر بهدف تغطية خسائرها المالية، بسبب تداعيات التفجيرات التي تزامنت مع الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ نحو عام.

حيث وافق البنك المركزي المصري الأحد الفائت على طلب بنك لبنان والمهجر، المالك لبنك بلوم مصر، للسير في إجراءات بيعه لمستثمر استراتيجي.

وتنص أحكام قانون الجهاز المصرفي والنقد رقم 88 لسنة 2003، على ضرورة حصول جميع البنوك العاملة على أرض مصر على موافقة البنك المركزي قبل السير في عمليات بيع وحداتها.

ويستعد بنك الإمارات دبي الوطني لقنص صفقة الاستحواذ، حيث اختار “شركة سي.آي كابيتال” لتكون مستشاره المالي في الصفقة، فيما تتولى المجموعة المالية هيرميس مهمة مستشار طرف البائع.

وتحتاج البنوك اللبنانية سيولة نقدية كبيرة لتوفيق أوضاعها مع متطلبات القانون الجديد لمصرف لبنان المركزي الذي يلزم البنوك برفع رؤوس أموالها بالسماح للمساهمين بضخ المزيد من السيولة بنسبة تصل إلى نحو 20 في المئة من رأسمالها.

وأعطى القانون فترة سماح للمصارف حتى نهاية العام الحالي، الأمر الذي زاد الضغوط على الجهاز المصرفي، وقد يدفع عددا من فروع المصارف اللبنانية العاملة في الخارج إلى الانكماش لتوفيق أوضاعها وتعزيز رسملة المصارف اللبنانية بنحو 4 مليارات دولار.

ويصل إجمالي الرسملة بعد تعميم المصرف المركزي إلى أكثر من 20 مليار دولار، وتحتاج بيروت هذه الخطوة للحفاظ على التصنيف الائتماني لمصارفها من أي تخفيض محتمل والبقاء عند مستويات كافية لرأس المال.

ويتوقف إتمام الصفقة في مصر بعد الدراسات النافية للجهالة على أصول البنك على موافقة مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر النهائية باعتبارها المالكة لوحدة بلوم في مصر، فيما يكفل البنك المركزي المصري الحفاظ على سرية البيانات وحقوق عملاء بنك بلوم مصر والعاملين به.

ويعد بلوم مصر، أكبر أصول مجموعة بنك لبنان والمهجر خارج لبنان، وكان يسعى لتوسيع نطاق عمله والمنافسة على شريحة سوقية أكبر، إلا أن الأزمات السياسية والاقتصادية دفعته إلى قرار التخارج، بعد أن نفى سابقا نيته بيع وحدته في مصر نتيجة المشاكل التي يتعرض لها القطاع البنكي في لبنان.

يمتلك بنك بلوم مصر نحو 39 فرعا ويصل رأسماله نحو 127 مليون دولار، وبحسب البينات المتاحة على الموقع الإلكتروني للبنك، سجلت قوائمه المالية صافي ربح عن الستة أشهر الأولى من العام المالي الماضي نحو 333 مليون دولار.

ورغم جاذبية السوق المصرية لصفقات قطاع البنوك، خاصة وأنه سوق استهلاكية تمثل بيئة مشجعة لأنشطة التجزئة المصرفية في بلد قوته الاستهلاكية تتجاوز مئة مليون نسمة، إلا أن صفقة بلوم تتواكب مع فشل صفقة تخارج بنك عودة اللبناني من مصر بسبب الضغوط الاقتصادية لوباء كورونا على المؤسسات المالية.

وأعلن بنك عودة توقف مفاوضات استحواذ بنك أبوظبي الأول الإماراتي على فروعه في مصر، وكان البنك الإماراتي أبلغ سوق الأوراق المالية في أبوظبي في وقت سابق عزمه الاستحواذ على فروع عودة في مصر.

وتعد هذه الصفقات من الأحداث الجوهرية التي يتطلب الإفصاح عنها أمام حملة الأسهم، فيما قال البنك الإماراتي إن الخطوة تتوافق مع استراتيجيته للتوسع دوليا.

وفي سبيل ذلك عينت مجموعة عودة اللبنانية المجموعة المالية هيرميس مستشارا ماليا لصفقة بيع وحداتها في مصر.

وبدأ بنك عودة نشاطه في القاهرة عام 2006 ويمتلك نحو 50 فرعا، فيما بلغت أصوله المصرفية نحو 4.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي.

وتواجه خطط توسع البنك صعوبات كبيرة بعد تداعيات الأزمة اللبنانية، وباتت استراتيجيات التوسع محل شك مع تخفيض تصنيفه الائتماني من جانب وكالة “ستاندرد آند بورز”.

وخفضت الوكالة تقييمه من بي سلبي والتي تعني رؤية سلبية غير مستقرة إلى سي.سي.سي وهي دائرة الدخول في التعثر مما يرجح احتمال دخوله في أزمة سيولة.

وشهد العامان الماضيان سباقا محموما بين البنوك الخليجية للفوز بصفقات استحواذ في قطاع البنوك المصرية، وأشعلت صفقة بنك عودة في البداية السباق، الذي دخل فيه كل من بنك الكويت الوطني والإمارات دبي الوطني، إلا أن بنك أبوظبي الأول حسم السباق، وحال كورونا بينه وبين إتمام الصفقة.

وسجلت مؤشرات الكثافة المصرفية في مصر نحو 22.9 ألف مواطن لكل فرع بنك، فيما يصل عدد الفروع إلى نحو 4365 فرعا لنحو 38 بنكا تعمل داخل البلاد، الأمر الذي يفتح فرصا استثمارية جديدة أمام الاستثمارات الأجنبية في قطاع البنوك.

قال منير الزاهد رئيس بنك القاهرة السابق، إن البنوك اللبنانية تواجه صعوبات كبيرة بسبب التداعيات الاقتصادية لما يشهده لبنان، والتي تفاقمت مع أزمة تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس الجاري.

وأشار إلى أن تخارج وحدات البنوك اللبنانية من مصر هدفه تغطية مراكزها المالية في بيروت، وهو أمر طبيعي تلجأ إليه البنوك وقت الأزمات.

وشهدت القاهرة تخارجا لعدد من البنوك الأجنبية، منها مجموعة باركليز البريطانية، وسوسيته جنرال وبي.أن.بي باريبا الفرنسيان، بهدف تغطية مراكزها المفتوحة في بلدانها بسبب الأزمات المالية.

وقنصت البنوك العربية جميع صفقات تخارج البنوك الأجنبية من مصر، منها بنك قطر الوطني الذي قنص صفقة سوسيته جنرال، والتجاري وفا بنك المغربي الذي استحوذ على فروع مجموعة باركليز في مصر، والإمارات دبي الوطني الذي قنص صفقة بي.أن.بي باريبا.

أكد عبدالمجيد محيي الدين رئيس البنك العقاري المصري العربي سابقا، إن البنوك اللبنانية لعبت دورا مهما خلال السنوات الماضية في تعزيز حركة التبادل التجاري بين القاهرة وبيروت.

وأوضح أن المصارف اللبنانية تواجه ضغوطا خارجة عن إرادتها، ما يجعلها تعيد حساباتها وتعزز ملاءتها المالية في مراكزها الرئيسية، من خلال تخارج وحداتها في مصر.

وتعزز جاذبية الصفقات المصرفية في مصر تصنيف الوكالات العالمية، حيث منحت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني النظام المصرفي المصري درجة مستقر نتيجة ارتفاع معدلات السيولة ونمو المدخرات، وسعي البلاد لتعميم الشمول المالي في جميع معاملاتها.

وتضع الأزمة اللبنانية جهازها المصرفي على نفس خط البنوك اليونانية والتي تجاهد للخروج من مصر، نتيجة عدم قدرتها على مسايرة المنافسة، وما يشهده الجهاز المصرفي في القاهرة من تحولات.