الإصلاح أساس الاستقرار والنمو في الدول العربية

انعكست المخاطر التي تحيط بالاقتصاد العالمي بما فيها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق، والشكوك بشأن قدرة الاقتصادات العالمية على بلوغ أهداف التنمية المستدامة 2030 ، على آفاق النمو في البلاد العربية، حيث توقع صندوق النقد العربي أن يبلغ معدل النمو في الدول العربية نحو 2.5 % في عام 2019 مقابل 2.1 % للنمو المُسجل عام 2018 .

يأتي ذلك انعكاساً لخفض تقديرات النمو الاقتصادي في كل من الدول العربية المُصدرة للنفط والمستوردة له كنتيجة لتباطؤ الطلب الخارجي وتأثيراته المتوقعة على الصادرات النفطية وغير النفطية. في المقابل، تم الإبقاء على توقعات النمو الاقتصادي للدول العربية خلال العام 2020 عند مستوى يدور حول 3.0 % في ظل التعافي النسبي المتوقع للاقتصاد العالمي، وتواصل الآثار الإيجابية لبرامج الإصلاح الاقتصادي، وإصلاحات السياسات الاقتصادية الكلية، والإصلاحات الهيكلية التي تنفذها الدول العربية لدعم الاستقرار الاقتصادي وحفز النشاط الاقتصادي.

مصدرو النفط

على صعيد الدول العربية المُصدرة للنفط، خفض تقرير “آفاق الاقتصاد العربي” توقعات النمو إلى نحو 2.2 % في عام 2019 ، وإلى نحو 3.0 % في عام 2020 ، وذلك في ظل تأثر بلدان المجموعة بضعف مستويات الناتج في القطاع النفطي على ضوء الالتزام باتفاق أوبك لتعديل كميات الإنتاج الذي سيمتد العمل به حتى شهر مارس/ آذار 2020 . على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من المتوقع أن يتراوح النمو حول 2.1 % عام 2019 مقابل 1.1 % المسجلة عام 2018 ، فيما يتوقع تواصل تحسن معدل النمو إلى 2.7 % عام 2020 . ويقول التقرير، إن نمو النشاط الاقتصادي في هذه الدول يبقى مدفوعا بوتيرة النمو المعتدلة للقطاع غير النفطي الذي استفاد من المبادرات الحكومية، والسياسات المتبعة لزيادة مستويات التنويع الاقتصادي، وتحسين بيئات الأعمال، ودور السياسات الاقتصادية الكلية وصناديق الثروة السيادية الداعمة للنمو وبعيداً عن دول الخليج، يرجح التقرير أن يتحسن النمو في الدول العربية الأخرى المُصدرة للنفط عام 2019 إلى 2.7 % مرتفعاً من 0.4 % في عام 2018 ، وذلك مع تحسن الأوضاع الداخلية في بعض بلدان المجموعة، والتوقعات بارتفاع كميات إنتاج النفط على ضوء إعفاء بعضها من الالتزام باتفاق أوبك+ (مثل ليبيا). ويتُوقع أن تسجل هذه الدول ارتفاعا في مستويات النشاط الاقتصادي، وأن تنمو اقتصاداتها بمعدل يدور حول 5.0% عام 2020 مع استمرار تحسن مستويات الطلب المحلي.

مستوردو النفط

ووفقاً للتقرير، من المتوقع أن يتراجع النمو في الدول العربية المستوردة للنفط من 3.8 % في 2018 إلى 3.6 % في عام 2019 ، نظراً للتوقعات بتباطؤ مستويات الطلب الخارجي، وتعرض بعض هذه البلدان لظروف مناخية وأوضاع داخلية غير مواتية للنمو. في المقابل، يتوقع أن يعود النمو إلى هذه الدول بوتيرة مرتفعة في 202 ليصل إلى 4 %. ولا تزال بعض هذه الدول تستفيد من الآثار الإيجابية الناتجة عن تبني برامج للإصلاح الاقتصادي التي ساعدت على تجاوز جانبٍ من الاختلالات الداخلية والخارجية، ووفرت حيزا مالياً داعماً للنمو الاقتصادي.

ما الذي يجب فعله؟

يقول التقرير، إن البلدان العربية تتبنى منذ سنوات إصلاحات عديدة لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وخلق المزيد من فرص العمل، وزيادة مستويات التنويع الاقتصادي، وتعزيز انتاجية وتنافسية اقتصاداتها.

وفي ضوء ما سبق، تتمثل أبرز الأولويات على صعيد السياسات التي يتوجب على الدول العربية القيام بها:

أولا:ً زيادة مستويات التنويع الاقتصادي

لا يزال يتعين على الدول العربية تكثيف الجهود الرامية إلى تنويع هياكل الاقتصادات الوطنية وزيادة مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى، لا سيما قطاع الصناعة التحويلية الذي لا تزال مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي محدودة عند مستوى 10.4 % مقارنةً بنحو 22 % للمتوسط المُسجل في الدول النامية والأسواق الناشئة، ونحو 16 % للمتوسط العالمي.

ثانياً: خفض معدلات البطالة

يُمثل معدل البطالة في الدول العربية البالغ نحو 10 % وفق بيانات البنك الدولي ضعف معدل البطالة في العالم. فيما يمثل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً نحو 42 % من مجمل العاطلين عن العمل في عام 2018 ، بينما تبلغ نسبة الإناث بين العاطلين عن العمل حوالى 30 %، وهو ما يفوق ضعفي المعدلات العالمية. كما تتركز البطالة كذلك بين أوساط المتعلمين والداخلين الجدد إلى أسواق العمل في عدد كبير من الدول العربية. ويستلزم خفض معدلات البطالة مجموعة من السياسات والتدخلات بما يشمل إحداث تحول شامل في هياكل الاقتصادات العربية، وزيادة مستويات ديناميكية أسواق العمل، وتقوية دور القطاع الخاص، ومبادرات وسياسات لدعم التكامل الإقليمي والعالمي.

إصلاح الاقتصاد الجزئي

تواجه أسواق العمل والمنتجات في عدد من الدول العربية تحديات مختلفة، نظراً للحاجة إلى زيادة مستويات مرونة هذه الأسواق بهدف رفع الكفاءة الاقتصادية وزيادة مستويات الإنتاجية والتنافسية. ويستدل على ذلك من الفجوة بين العالم العربي والدول الأخرى فيما يتعلق بمدى كفاءة أسواق العمل والمنتجات. فعلى سبيل المثال، تشير بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى اتساع الفارق بين مستويات كفاءة أسواق العمل في المنطقة العربية، ودول مجموعة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل كبير خلال عام 2018 في 4 مجالات رئيسة وهي: الابتكار، والاستعداد التقني، والتعليم والتدريب، وكفاءة سوق العمل.

القدرة على مواجهة الصدمات

وبحسب صندوق النقد العربي، فإن التأثير القوي للتداعيات في البيئة الاقتصادية الدولية يلاحظ على مسارات النمو في الدول العربية. لذا فإن تعزيز مرونة الاقتصادات العربية تجاه التقلبات الاقتصادية يستدع توجيه المزيد من الاهتمام بتقوية حيز السياسات بما يشمله ذلك من سياسات لتحقيق الانضباط المالي وضمان الاستدامة المالية، وزيادة مستويات مرونة نظم أسعار الصرف واستهداف التضخم في بعض البلدان وتعزيز مستويات الاحتياطيات الخارجية التي شهدت تراجعاً في بعض الدول في الآونة الأخيرة

 

**********************************************************

مجلة البنك والمستثمر

العدد 226 تشرين الاول2019