هل يتجاوز لبنان الأزمة المالية والتصنيف؟

هل يتجاوز لبنان الأزمة المالية والتصنيف؟
انتظر لبنان الرسمي أسابيع عدة لصدور تقارير وكالات التصنيف الإئتماني، وأجرى رئيس حكومته في واشنطن سعد الحريري اتصالات هدفت إلى تأجيل صدور تقرير وكالة ستاندرد اند بورز، حيث نقل ان الوكالة وافقت على تأجيل التصنيف 6 أشهر ومنح الحكومة اللبنانية مهلة للقيام بإصلاحات لخفض العجز، في وقت كان مصرف لبنان يتولى سداد استحقاقات اليوروبوندز بدلا من وزارة المالية، لكن الأمور سارت عكس التوقعات فصدر أكثر من تقرير لوكالات التصنيف وضعت لبنان أمام تحديات صعبة، وجعلت من مهمة الإصلاح للخروج من الأزمة تواجه مأزقا كبيراً، وهو ما دفع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون إلى الإمساك بالملف الاقتصادي والمالي وادارة اجتماعات متخصصة وأخرى رسمية تضم الرؤساء لوضع حلول للأزمة.

خفض تصنيف لبنان

لم يتبين وفق تقاريــر وكالات التصنيــف الائتماني أنهــا وافقت أو إحداها على الأقل، على تأجيل التصنيف لمدة 6 أشهر. فقد أصدرت وكالة ســتاندرد أند بورز تقريرها، وهي الوكالة الأهم بين وكالات التصنيف العالمية، علــى عكس التوقعات، وقــررت إبقاء تصنيف لبنان عند مستوى B- ، ما يعني منحها فرصة للبنان للإيفاء بتعهداته Bلبنان عند مستوى بالإصلاحــات وخفض العجــز ومعالجة مشــكلة الدين العــام، في حين ســبقتها وكالة موديز في تقرير صنف لبنان بمســتوى C ، أما المفاجأة، فكان خفض وكالة فيتش التصنيف إلى CCC سلبي، وهو ما يعني أن لبنان في دائرة الخطر ظهرت الخطورة في تقرير وكالة فيتش الذي

ف الواقع اللبناني وصف الواقع اللبناني بطريقة لا تؤشــر إلى الإيجابية، وقال، إنه لا توجد خطة متوســطة الأجل ذات صدقيــة لتثبيت الديــن الحكومي أو معالجتــه. وقد جاء تصنيف “فيتش” ليؤكد عدم الثقة حيال لبنــان، إذ رأت الوكالة، أن الثقة الضعيفة تنبع من عدم الاستقرار السياسي المحلي وعدم فعالية الحكومــة، وتدهور النمــو الاقتصــادي والمخاطر الجيوسياســية، بما في ذلك السياســة الأميركية ضــد إيران وحــزب الله، وضعف العلاقات بين لبنان ودول الخليج. فضلا عن إثارة وزير المالية علي حســن خليل موضوع إمكانية إعادة هيكلة الديــن المحلي، لتخفيف عبء الفائدة على الحكومة، والموافقة البطيئة على الموازنة. وأوضحت الوكالــة، أن خفض التصنيف يعكــس تصاعد الضغوط على نموذج التمويل للبنــان ومخاطر متزايدة على قــدرة الحكومة على خدمة ديونها. وأشارت، إلى أن الحكومة اللبنانية تعتمد إلى حد كبير على تمويل من المصرف المركزي لســداد الدين من الأسواق المحلية والســندات الدولية، مؤكدة، أن لبنان يحتــاج لتدفقات كبيرة لرؤوس أموال لتمويل العجز الكبير في كل من الموازنة والحساب الجاري.

احتياطات العملات الأجنبية

وتوقعت الوكالة خفــض إجمالي احتياطات العمــلات الأجنبية لدى مصرف لبنــان المركــزي (باســتثناء الذهب وغيرهــا من أصول العملات الأجنبيــة) إلى حوالى 29 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري 2019, و3 مليارات دولار اُخرى في عامي 2020 و 2021 (ما يقرب من 5.5% من الناتــج المحلي الإجمالي تقريبأ, علمــأ أن لبنان لديه احتياجــات مالية كبيرة للتمويــل الخارجي، مع استمرار عجز الحساب الجاري بنســبة تتخطى الـ 20% من الناتج المحلي الاجمالي).

الأخطر، أن الوكالة توقعت أن يبيع المصــرف المركزي أكثر من 3.8 مليــارات دولار مــن الأوراق المالية الأجنبية (باســتثناء 2.9 مليار دولار من ســندات اليورو اللبنانية). وســتنخفض احتياطيات العملات الأجنبية إلى أقل من 60% في عام 2019 والى 48% في 2021, التي ستكون الأدنى منذ 2000 – 2002, عندما وصلت النسبة الى 37% .

وبينما اعتبــر وزير المــال اللبناني علي حســن خليــل، أن تقارير التصنيفات يعكس الحقيقة التي نعرفهــا، والتي تعمل الحكومة على معالجتها، قدمت وزارة المالية اللبنانية مطالعة حول تصنيف الدولة اللبنانية الإئتماني من قبل وكالة ستاندرد اند بورز ( Standard and Poor‘s ) ووكالة فيتش (Fitch Ratings ) أشــارت فيه، إلى أن الأولى أصــدرت تقريرها الــدوري، وقررت على إبقــاء تصنيف الدولة اللبنانيــة على ما هو B- مع نظرة ســلبية خلافأ للتهويلات والتحليلات, وقد أبلغت الوكالة وزير المالية أن قرارها مستند على نقطتين أساســيتين: بدء الإصلاحات الهيكلية في المالية العامة في موازنة 2019 ,والتي ستســتكمل بإصلاحات جديدة في موازنة 2020, خاصة في مجال الجمارك والمشتريات ونظام التقاعد والتهرب الضريبي وقطاع الكهرباء, ما ســيخفض عجز الموازنــة برأيها تدريجيأ الى 4.8% من الناتج القومي في العام 2022, اضافة الى أن الوكالة تتوقع استمرار مصرف لبنان على القدرة على الدفاع عن الليرة من خلال احتياطه. وأكدت أيضا ، ضرورة تنفيذ الإصلاحات المرجوة بوتيرة ســريعة وخلق الجو السياســي المناســب لتحريك العجلة الإقتصادية.

تحديات التمويل

وكانــت “ســتاندرد اند بــورز” اســتجابت للدعوات والوســاطات وقررت منح لبنان فترة ســماح إضافية تمتد لمدة 6 أشهر, من دون خفض تصنيفــه الائتمانــي الى درجــة CCC, وهذا يعني تأجيل التداعيات الخطيرة التي كان سيفرضها خفض التصنيف الى مطلع العام 2020, علمأ أن الوكالة توقعــت أن يكون العجز في الموازنة للسنة 2019 نحو 10%, أي اكثر من توقعات وكالة فيتش التي رأت أن العجز لــن يتجاوز 9.2%, فيما النســبة التــي أعلنت بعد اقرار الموازنة العامة اللبنانية هي 7%.

أما بالنســبة إلى تقرير وكالة فيتــش ( Fitch Ratings ) للتصنيف الائتماني , فقــد رأت وزارة الماليــة اللبنانية أن هــذا التصنيف جاء نتيجة التحديات الناجمة عن ازديــاد ضغط التمويل الخارجي جراء إنخفاض تدفــق الودائع في القطــاع المصرفي اللبنانــي والبطء في تطبيق خطة الكهرباء. كما وأشــار التقرير، إلى أن الإجراءات التقشفية في موازنة 2019 ملحوظة، ولكــن هنالك تطلع إلى خطة طويلة الأمد للســيطرة على إرتفاع الدين كنســبة من الناتج القومي. ولفتت، إلى أن التقرير لحظ العمل الجدي حول موازنة 2020 والتزام الدولة بإقرارها في وقتها، ولكن تشكك الوكالة بالتقلبات السياســية المتكررة التي قد تؤدي إلى التأخر في تنفيذ السياسات الإقتصادية المرجوة. النقطة المهمة التي توقفت عندها المالية اللبنانية، هي إشارتها إلى أن هذا التصنيف هو تذكير للبنان أن عمل الحكومة ليس ترفأ بل ضرورة قصوى في المرحلــة المقبلة، بما يتضمن من أهمية مناقشــة موازنة 2020 وإحالتها إلى مجلس النواب، الإسراع في تنفيذ خطة الكهرباء، مكافحة التهــرب الضريبي وإطــلاق العجلة الإقتصاديــة من خلال مقررات البيان الــوزاري. وكررت أن هذيــن التصنيفين هما تذكيرّ بأهمية تخفيض العجز وتنفيــذ الإصلاحات الهيكلية التــي بدأنا بها وســنزيد وتيرتها في موازنة 2020 وما بعد، وبمثابة تذكير أن لبنان لديه القدرة على تجاوز الصعاب فيجب عدم التراخي للحظة واحدة.

إجراءات والتزام لبناني

قد يكون الهدف من التصنيفات تقييم مدى قدرة الحكومة على الالتزام بتنفيذ استحقاقاتها المالية في الوقت المحدد ، وهو ما يقوم به لبنان إلى الآن بالتزامه سداد المتوجبات عليه، وهو لم يخالف تسديد مستحقاته في الموعد المحدد ، إلا ان الأزمة المســتفحلة ماليأ والمضاربات علــى الليــرة اللبنانيــة والتصنيفات يشكل منعطفأ اساسيأ على المستوى المالي وحافزأ للقوى للتركيز على تمتين الوضعين المالي والاقتصادي في هذه المرحلة بالشروع في تنفيذ خطوات ضرورية “وطارئة” تُرسل من خلالها اشارات ايجابية لوكالات التصنيف والمجتمع الدولي, بما يســاهم في إعــادة تحريك قــروض مؤتمر “سيدر”، مثل إقرار موازنة 2020 في موعدها الدستوري وانطلاق تنفيذ خطة الكهرباء مع تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية بإبعاده عن الصراع السياسي وتنقية الأجواء السياسية بالاجماع على اولوية معالجة الازمة الاقتصادية.

هناك أمور ايجابية ادرجها لبنان في سجله المالي في الفترة الاخيرة، إذ ان المصرف المركزي سدد كل الاســتحقاقات الماليــة المترتبة على الدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية وفي وقتهــا المحدد , كما ان الدولة اتخذت خطوة مهمة ولافتة منذ فترة انها استطاعت تغطية  استحقافاتها باليوروبوند مــن دون ان تصدر ســندات يوروبوند، أضف الى كل ذلك، أن الدين العام بالعملات الأجنبية تراجع بنســبة 10% بين أيار/مايو 2018 وأيار/مايو 2019 .

فرصة وتحفيز للحكومة

لكن تصنيف “ســتاندرد أند بورز” بعد 6 اشهر على تصنيف آذار/ مــارس الماضــي بالإبقاء عنــد مســتوى B- مع خفض “نظرتها المستقبلية” للبنان الى درجة “سلبي”, فرصــة للحكومة لحزم أمرها والترفع عن المناكفات السياسية الضيقة بالشروع في ورشة الاصلاحات التــي تعهدت بها للمانحين في مؤتمر “سيدر” وتنفيذ الورقة المالية الصــادرة عن اجتماع بعبدا المالي الذي عُقد الشهر الماضــي لاســتعادة الثقة الدوليــة وجــذب الاســتثمارات الاجنبية وإعطــاء إشــارات ايجابيــة للجميع على رغــم الأوضــاع الأمنية والسياسية التي يمر بها لبنان.

انعكاسات سلبية

كانت أولى نتائــج التصنيف الســلبي، هي انعكاســه علــى القطاع المصرفــي لجهــة ارتفــاع معــدلات الفوائــد وانخفــاض أربــاح المصارف. ولأن في لبنان جرى استنزاف مقدرات الدولة وضرب مؤسساتها، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية، جاء التصنيف الائتماني الســلبي، ليحمل أخطارأ ومخاوف من عدم قدرة لبنــان على الوفاء بديونه, فضلأ عن زيادة الحاجة لضمان استقطاب الودائع الجديدة ووفق اقتصاديين، بات هنــاك حاجة إضافية لاســتقطاب العملات الأجنبية، لإظهــار المزيد من الثقة. وهو ما يســتدعي رفع معدلات الفوائد لجذب العملات. وبالتوازي، ستكون معدلات الفائدة مرتفعة بالنســبة إلى القروض التي يحتاجها لبنان، لأن قدرته على الســداد أقل، خصوصا وأن قســمأ كبيرأ من موجودات المصارف مستثمر في سندات الخزينة، وفي هذه الحالة ستضطر المصارف إلى زيادة نسبة الأموال لديها, واذا أرادت الدولة طرح سبداتها أمام المستثمرين الأجانب, عليها رفع فائدتها كعامل جذب للمستثمرين, الذين سيطالبون بعوامل ثقة اضافية, وهو ماسيصنع أثقالأ جديدة على القطاع المصرفي, لكنه قادر على مواجهة أي أزمة أو مخاطر يتعرض لها, وهذا يستدعي تحرك السلطة السياسية لمعالجة أزماتها بشكل ممنهج, ووفق برنامج عام, واضح وشفاف, وذلك عبر وضع الحكومة خطة تصحيحية لخفض العجز تدريجيأ, وتنفيذ بنود اصلاحية, ووضع سياسات من شأنها زيادة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل, لما لها من قدرة على انتشال لبنان من مأزقهعلمأ ان الحكومة تحتاج الى تحقيق فائض أساسي لا يقل عن 5% من الناتج المحلي على مدى السنوات الأربع المقبلة, لتحقيق الاستقرار في الدين الحكومي.

في المقابل، يتوســع مصــرف لبنان فــي تمويل الدين العام بشــكل مباشر، ويبدو أن إجراءات المركزي ترتبط بشكل وثيق بالمعالجات التي يجريها في ظــل الأزمة، وبأوضــاع ســندات اليوروبوند في الأسواق، كما ترتبط بامتناع المصارف عن الاكتتاب بشكل مباشرفي هذه السندات لعوامل تتعلق ببنية الفوائد في الأسواق. ففي شهري نيســان/أبريل وأيار/مايو الماضيين، اســتحق علــى الدولة اللبنانية ما يقارب 1.65 مليار دولار من ســندات اليوروبوند (التي تصدر بالعملة الصعبــة). وبدل أن تقــوم وزارة المالية ة بتأميــن هذا المبلغ عبر الاســتدانة مجددأ من الأســواق، بشــكل مباشــر، عبر إصدار ســندات يوروبوند جديدة، عمدت إلى الحصول علــى هذا التمويل عبر الاســتدانة من مصرف لبنان. كل هذه التطورات كانت تساهم تدريجيأ في رفع الحصة المملوكة من مصرف لبنان من الدين السيادي ، مع العلم أن إجمالي قيمة ســندات اليوروبونــد المملوكة من مصرف لبنان ارتفعت بفعل هذه العمليات إلى حدود 2.9 ملياردولار لغاية شــهر حزيران/يونيــو الماضي. وبينمــا بات مصرف لبنان يســاهم مباشــرة بهذه العملية، فــإن ذلك يعود إلــى التحولات التي جرت في أسعار ســندات اليوروبوند خلال الفترة الماضية في الأســواق. فمع دخول لبنان تدريجيأ في الأزمة الحالية انخفضت بالتوازي أسعار ســندات اليوروبوند في الأســواق، وارتفع بالتالي متوسط العائد عليها مــن حــدود 4.5% عام 2013 الى 10% حتى نهاية السنة الماضية, وترتبط هذه التطــورات أيضأ بعمليات وهندسات مصرف لبنان, التي يجريها منذ سنة 2016, في سياق التعامل مع أثار الأزمة المالية.

العجز المستمر

عجز الموازنــة والدين العام كنســبة من الناتج المحلي القائم, ليسا جديدين، إنما أخذا أبعادأ خطيرة خلال السنتين الأخيرتين, بارتفاع نســبة العجز وارتفاع الدين العام وخدمته. وقد تغيرت تركيبة الدَين العام, من حيث الجهات الممولة له والعملات المكونة للدين, ما يضع البلاد أمام مخاطر كبيرة.

وبلغ عجز الموازنة مستويات لا يستطيع الاقتصاد الوطني تحملها, وهو ما يســتدعي تركيزأ لمعالجتها وخفض العجز فعليأ, أما حجم الاستدانة بالعملات الأجنبية, فبلغ مستويات قياسبة, اذ أن ديون القطاع العام بالعملات الاجنبية, أي الحكومة ومصرف لبنان, تقارب حاليأ 85 مليار دولار, مايزيد على 140% من الناتج, وهذا رقم كبير وخطير، لأن الدولة لا تستطيع إيجاد النقد الأجنبي، وإذا استمر نزف العملات الأجنبية وعجز ميزان المدفوعات، يمكن أن تصل الدولة إلى وضع لا تســتطيع معه ســداد ديونهــا للدائنين، أي المودعين والمصارف، وهذا ما يســتدعي أيضــا معالجته على أي كلام نظري عن خطــورة الوضع المالي لم يعــد ينفع أو يعطي حصانات، ما لم تتحــرك الدولة على مختلف المســتويات وتســير بإصلاحات هيكلية وتوقف الهدر وتسير نحو تصحيح مالي حقيقي يسمح بخفض العجز وأيضأ خفض خدمة الدين العام، بالتوازي مع قرارات لا تحمل اللبنانيين عبء الأزمة المالية وحتى النقدية.

فهل يتجاوز لبنان الأزمة والتصنيفات؟.

*************************************

مجلـــة البنك والمستثمر
العدد 225 _أيلول 2019

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة