العملة الإندونيسية تنتعش… والمخاطر مستمرة

بعد أن سجلت الروبية الإندونيسية أدنى مستوى لها في أعوام عدة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2018، عادت لترتفع مجدداً مقابل الدولار الأميركي بنسبة 8.4% منذ ذلك الحين، وبنسبة 3.0% منذ مطلع العام 2019، أي أنها تفوقت على كل من عملات الاقتصادات المتقدمة الرئيسية وعملات الأسواق الناشئة. وارتبط الانتعاش بإجراءات تم اتخاذها في نطاق السياسة النقدية، وعوامل خارجية، وفق ما جاء في تقرير لـ QNB.

سياسة نقدية ناجحة

النقطة الأولى في هذا السياق أن بنك إندونيسيا المركزي أجرى سلسلة من زيادات أسعار الفائدة في العام 2018 بلغ مجموعها 175 نقطة أساس وأدت إلى زيادة الفجوة مقابل أسعار الفائدة الخارجية الرئيسية الأخرى. وقد تم ذلك وفقاً لنهج محافظ بنك إندونيسيا المركزي بيري وارجيو “الوقائي الذي يستبق منحنى التضخم”. ومن المنتظر أن تؤدي هذه السياسة إلى ارتفاع عائدات الأصول المحلية، وبالتالي منع أو الحد من تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج.

من جهة أخرى، اعتمد المركزي الإندونيسي سياسة مبتكرة وداعمة من خلال إطلاق عقود آجلة محلية (DNDF) مقومة بالروبية. وتزيد هذه الوسيلة من خيارات التحوط للمشاركين في السوق وتقلل من تأثير العقود الآجلة الخارجية على سعر الصرف الفوري للدولار الأميركي مقابل الروبية، من خلال تعزيز السيولة والكفاءة في سوق الصرف المحلية، وأيضاً زيادة إمداد الصرف الأجنبي في شكل عام لأغراض التحوط. وتكمن أهمية ذلك في أن الارتفاع الدوري الذي يطرأ على أسعار العقود الآجلة الخارجية يزيد من تكاليف التحوط الخاص بالصرف الأجنبي ويشكل ضغوطاً على غير المقيمين والمقيمين للخروج من الأصول المحلية. وتشير التجارب الدولية مع العقود الآجلة المحلية من أسواق ناشئة أخرى عالية العائدات كالبرازيل، إلى فعاليتها خلال المدى القصير، حيث يمكن تأجيل الطلب الفوري على الصرف الأجنبي مؤقتاً.

أخيراً، قامت الحكومة بتنفيذ العديد من الإجراءات لجذب إيرادات خارجية والحد من الواردات، وهو ما يُتوقع له أن يوقف التوسع الأخير في عجز الحساب الجاري. واشتملت الاجراءات رفع سقف إنتاج الفحم، واعتماد نهج أكثر انتقائية للإنفاق على برامج البنية التحتية التي تتطلب كثافة في الاستيراد، وتسريع خطط خلط الديزل الحيوي المحلي مع البنزين، وفرض رسوم على أكثر من ألف سلعة استهلاكية. وتشير بيانات التجارة لشهر ديسمبر/ كانون الأول 2018 إلى الفعالية النسبية لهذه الإجراءات، مع انخفاض الواردات النفطية المعدلة بالأسعار بشكل كبير واستقرار واردات السلع والمدخلات التصنيعية.

تطورات خارجية داعمة

ويرى التحليل أن عوامل خارجية أيضاً ساهمت في دعم الروبية، من ضمنها أن الأسواق غيرت من توقعاتها بشأن أسعار الفائدة الأميركية. وفي الواقع، اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي موقفاً متساهلاً مؤخراً، الأمر الذي قاد إلى انخفاض العائدات عبر المنحنى مع تفضيل المستثمرين للأصول غير الأميركية. واتسع فارق العائد الاسمي للروبية الإندونيسية مقابل الدولار وهو حالياً أعلى بواقع 155 نقطة أساس من المستوى المنخفض لعام 2018.

العامل الخارجي الآخر تمثل في تراجع الموجة الأخيرة من عمليات تجنب المخاطر وذلك على خلفية التطورات الإيجابية في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والموقف الأكثر تساهلاً من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وهذا يؤثر بشكل إيجابي على عملات الأسواق الناشئة بشكل عام وعلى عملات الأسواق الناشئة ذات العائدات المرتفعة، مثل إندونيسيا بشكل خاص. فارتفاع شهية المخاطرة يعمل على إطلاق موجة عالمية من البحث عن العائدات.

خطر قائم

وبالرغم من التدابير القوية في مجال السياسات الاقتصادية والتطورات الخارجية الإيجابية، إلا أن إندونيسيا لم تخرج بالكامل من دائرة الخطر بعد، فهي لا تزال معرضة لهروب رؤوس الأموال بسبب وجود عجز في الحساب الجاري والميزان المالي، وارتفاع حصة غير المقيمين في التزامات الدين قصيرة الأجل، ونسب كفاية احتياطي العملات الأجنبية التي تراوح بين معتدلة إلى منخفضة. وهذا يجعل الروبية الإندونيسية عرضةً لبعض أكبر المخاطر المحتملة في عام 2019، بما في ذلك تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتزايد ضعف الطلب الصيني، وتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة.

 

*************************************

مجلـــة البنك والمستثمر
العدد 219 _أذار 2019