اتفاقات سعودية بعشرات مليارات الدولارات مع فرنسا وإسبانيا

بعد زيارته الولايات المتحدة الأميركية، حطّت رحال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في فرنسا ثم اسبانيا، لتتعزز معها علاقات المملكة العربية السعودية مع كلا الدولتين لا سيما في المجال الاقتصادي، من خلال تفاهمات وبروتوكولات بعشرات المليارات من الدولارات.

الزيارة الفرنسية

في فرنسا التقى ولي العهد مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، وبحثا مختلف سبل التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي. وتوجت الزيارة بتوقيع 19 بروتوكولاً بين شركات فرنسية وسعودية بقيمةٍ إجمالية تزيد عن 18 مليار دولار، كان أبرزها اتفاق بين شركتي توتال الفرنسية وأرامكو السعودية بقيمة حوالي 5 مليارات دولار من أجل التطوير المشترك لموقع بتروكيميائي في الجبيل شرق السعودية، حيث تملك المجموعة الفرنسية أضخم مصفاة لها في العالم. هذا و منحت الهيئة العامة للاستثمار السعودية، أربع شركات فرنسية، رخصا استثمارية، لبدء مزاولة نشاطها في المملكة.

جاء ذلك، على هامش أعمال منتدى “الرؤساء التنفيذيين” السعودي الفرنسي، الذي تزامن مع الزيارة. والشركات الفرنسية الأربع هي: (إنجي سيرفس ميدل الفرنسية، وخدمات الدفاع البيئية، وبحري بولوريه لوجتكس، ومترو العاصمة).

وأوضح محافظ الهيئة العامة للاستثمار إبراهيم بن عبد الرحمن العمر، أن الرخص التي تم منحها للشركات الفرنسية تنوعت بين الخدمية، والبيئة، والتكنولوجيا، والنقل، ونوه إلى سعي السعودية لتحفيز الشركات العالمية الرائدة لضخ المزيد من الاستثمارات بما يتوافق مع رؤية 2030، وتعزيز تنافسية البيئة الاستثمارية في المملكة، وجعلها أكثر جاذبية لاستقطاب استثمارات أجنبية أخرى.

اتفاقية طيران وتعاون ثقافي

وفي قطاع الطيران، تم توقيع اتفاقية بين “فلاي ناس” السعودية و”جنرال إلكتريك-سافران” المورد الرائد لمحركات الطائرات التجارية، لشراء محركات LEAP-1A لأسطول الطائرات الجديد المكون طائرات neo ‏A320 بالإضافة إلى اتفاقية صيانة وخدمات طويلة الأجل لهذا الأسطول، وتبلغ قيمة الاتفاقية 6.3 مليارات دولار. وفي الأنشطة التي رافقت زيارة ولي العهد، وقع وزير الثقافة والإعلام السعودي عواد بن صالح العواد مع نظيرته الفرنسية فرانسواز نيسين، اتفاقية تعاون في مجالات الثقافة والأدب والفنون وصناعة السينما والمسرح والموسيقى، إضافةً إلى توقيع عددٍ من البرامج التنفيذية في مجال صناعة الأفلام مع كل من معهد “لا فيميس للأفلام”، و “المعهد الوطني للمحافظة على التراث السمعي والبصري وإدارة الأرشفة الرقمية”، وكذلك مع “أوبرا باريس الوطنية”، بما يساعد على بناء القدرات في القطاعات الإبداعية في المملكة، وإتاحة الفرصة للفن السعودي للمشاركة في مهرجان كان الدولي السينمائي، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية “واس”. كذلك شملت الاتفاقات بروتوكولاً يهدف إلى تبادل الخبرات في مجال إدارة الوجهات السياحية وتطوير الموارد البشرية العاملة في القطاع السياحي وتطوير المنتجات السياحية.

وفي مجال التراث الثقافي، تم التوقيع على اتفاقية بين حكومتي البلدين حول مشروع تطوير محافظة العلا، وقّعها من الجانب السعودي محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، ، ومن الجانب الفرنسي وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان. ويسلط هذا التعاون الضوء على رؤية مشتركة بين البلدين لحماية وتعزيز التراث الثقافي، وتعزيز المعرفة العلمية، وفتح طرق جديدة للسياحة المستدامة حول هذا الموقع الأثري الفريد. فضلاً عن بروتوكول في مجال التراث يهدف إلى تبادل الخبرات في المجال التراثي وإدارة المواقع التاريخية ونقل المعارف والخبرات في مجال تنظيم المعارض وإدارة المتاحف. كما خصص البلدان 200 مليون يورو مناصفةً لتمويل مشروعات تصب في صالح الاحتياجات التنموية في البلدان الإفريقية الكائنة في إقليم الساحل الغربي.

منتدى لتعزيز الروابط

وتم خلال الزيارة عقد منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي – الفرنسي في باريس الذي حضره رؤساء تنفيذيون وشركات من البلدين. وأتاح هذا المنتدى تقديم عروض والقيام بمناقشات متعمقة حول المشروعات المتعلقة بـ«رؤية 2030»، وتأسيس تواصل مهم بين الجانبين، والتوقيع على الكثير من العقود ومذكرات التفاهم التي تبرز الديناميكية الجديدة للروابط الاقتصادية والتقنية بين البلدين.

ولدى مغادرته العاصمة الفرنسية، أبرق إبن سلمان للرئيس الفرنسي ماكرون، قدم خلالها بالغ الشكر والتقدير على ما وجده والوفد المرافق من حسن الاستقبال وكرم الضيافة، وقال مخاطباً الرئيس ماكرون: «لقد أثبتت المباحثات التي عقدناها متانة العلاقات بين بلدينا، والرغبة المشتركة في تعميق التعاون بينهما في المجالات كافة.

الزيارة الإسبانية

بعد مغادرته فرنسا وصل محمد بن سلمان إلى قاعدة «تورّيخون» الجوية الواقعة على مشارف العاصمة الإسبانية مدريد، و التقى الملك فيليبي السادس ورئيس الوزراء ماريانو راخوي وعدداً من المسؤولين وأعضاء البرلمان، وقالت وكالة “فرانس برس”، إن الملك الإسباني استقبل بن سلمان، في قصر زارزويلا على مشارف العاصمة قبل مأدبة غداء أقيمت على شرفه. وأصدر الطرفان بياناً أكدا فيه الشراكة القوية بين البلدين، التي ستمثل الآلية الرئيسة لإحراز مزيدٍ من التقدم في كل جوانب العلاقة الثنائية، بتركيز خاص على مساهمة إسبانيا في تحقيق رؤية المملكة 2030، من خلال خبراتها الغنية والمتقدمة وتحديداً في مجالات الطاقة المتجددة، والبنى التحتية، والنقل، والسياحة، والثقافة، والترفيه، والعلوم، والتقنية، والدفاع. وقد تم بحث سبل إيجاد فرص استثمارية إضافية في البلدين. كما تم التوقيع على اتفاقيات ومذكرات وبرامج ثنائية في مجال النقل الجوي والجانب التعليمي والثقافي والتقني والتنموي.

صفقات عسكرية

أكبر الصفقات كانت اتفاقيةً عسكريةً تنص على إنشاء مشروع مشترك في مجال تطوير وصيانة البرمجيات بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية وشركة “نافانتيا” الحكومية الإسبانية لبناء السفن. وسيعمل المشروع بشكلٍ رئيسيٍ على كل ما يتعلق بأنظمة القتال البحرية من إدارة المشروعات وتركيب وربط أنظمة القتال وفحصها وهندسة النظم وتطوير العتاد والبرمجيات وتطوير أنظمة المحاكاة. ويتوقع للمشروع بحسب “واس” أن تفوق إيراداته 8 مليارات دولار، وأن يساهم تعزيز جاهزية القوات المسلحة، إلى جانب خلق نحو 1000 فرصة عمل وتدريب. وفي السياق، قال رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية أحمد الخطيب، إن الاتفاق يأتي تحقيقاً لرؤية المملكة 2030 الطموحة، وتفعيلاً لإعلان ولي العهد توطين 50% من الإنفاق العسكري بحلول العام 2030، مضيفاً أن شركة نافانتيا ملتزمة بالشراكة مع المملكة العربية السعودية، وهي عازمةٌ على توسيع حضورها في السوق السعودية وسوق المنطقة. وفي سياق متصل، قالت بعض المصادر إن ولي العهد اتفق مع وزيرة الدفاع الإسبانية ماريا دولوريس دي كوسبيدال على شراء خمس سفن حربية بقيمة تناهز 1.8 مليار يورو، وقال مصدر في وزارة الدفاع الإسبانية إن الاتفاق يقضي بأن تبيع نافانتيا خمس سفن حربية صغيرة وأن يدرب الجيش الإسباني أفرادا من الجيش السعودي وأن تبني شركات مقاولات مركز تشييد بحريا في المملكة.

يذكر أن إسبانيا سابع دولة تصدر أكثر الأسلحة التقليدية وشهدت زيادة في مبيعاتها إلى الخارج بـ 55% بين 2006-2010 و2011-2015 بحسب مجموعة الأبحاث والإعلام حول السلام والأمن ومقرها بروكسل.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الملك الاسباني السابق خوان كارلوس، الذي قام بزيارة خاصة إلى السعودية، كان له دور أساسي في إبرام أكبر اتفاق اقتصادي بين البلدين قيمته 8 مليارات دولار، تبني إسبانيا بموجبه قطار الحرمين السريع الذي يربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة.

 

*************************************

مجلـــة البنك والمستثمر
العدد 209 _أيّار 2018