خميس: سورية تتعافى وتطلق مشاريعها الإنتاجية

أكد رئيس مجلس الوزراء السوري المهندس عماد خميس أن واقع الاقتصاد السوري اليوم جيد وهناك مؤشرات حقيقية تدل على ذلك من خلال الموازنة العامة للعام 2018 ومن خلال إنجازات عام 2017، لافتاً إلى حرص الحكومة على وضع رؤية لإعادة تأهيل كل منطقة يحررها الجيش العربي السوري إضافة لوضع مشاريع تنموية واستثمارية لهذه المناطق. وقال خميس في حديث لمجلة البنك والمستثمر أن العمل جارٍ على تأهيل المعامل والمنشأت التي تم تخريبها جرّاء الاعتداءات الإرهابية بالتوازي مع خطط لمشاريع كبيرة مثل تطوير قطاع الطيران والسكك الحديد.

وفيما يلي نصّ الحديث.

 

سنوات ست من الحرب وما زالت الدولة صامدة ومستمرة ما هي مقومات هذا الصمود؟

الجواب على هذا السؤال يأتي ضمن مجموعة من العناوين المهمة والأساسية، فسورية بلد معروف بعدد سكانه وكذلك اقتصاده وجغرافيته ويمتلك من المؤشرات والمعطيات ما لا تمتلكه دولة في العالم، واقتصاده جيد بلا مديونية ويتمتع باستقلال سيادي، وقد أعاق هذا البلد على مدى أكثر من أربعة عقود كل المشاريع والمخططات التآمرية الغربية، وهذا لم يرق للغرب الذي لم يعجبه كذلك واقع هذا البلد القوي المستقل. ومنذ ذلك التاريخ لم يتركوا سورية يوماً واحدا من دون أن يحاولوا إثقالها بملفات كي تتخلى عن سيادتها واستقلالها وثوابتها الوطنية، غير أن سورية القوية بشعبها وجيشها وقيادتها، استطاعت أن تحبط وتفشل كل تلك المخططات وبنت نفسها بقوة على أسس صلبة متينة، برغم كل ما تتعرض له حالياً من دمار، كما أن رؤية الرئيس بشار الأسد في هذا المجال والقائمة على عدم المساومة أو التخلي عن الثوابت والسيادة الوطنية، عزّزت مكانة سورية وموقعها ودورها وجعلتها دولة قوية.‏‏

وتأسيساً على ذلك، صمم الغرب والقوى الرجعية على شن هذه الحرب الشرسة على سورية، والتي هيأت لها وأدّت دور الأدوات فيها دول إقليمية، سواء لجهة ضخ المليارات من الدولارات أو إرسال آلاف الإرهابيين المرتزقة، لكن مخططهم الفاشل لم يجد له أرضية خصبة، فسقط وسقطت معه كل أحلامهم وأوهامهم تحت أقدام بواسل جيشنا البطل المقدام وصمود أبناء بلدنا الشرفاء وقيادتنا السياسية، ما حال دون تدمير اقتصادنا الوطني، وأؤكد في هذا السياق أنه وبعد حوالى السبع سنوات من الحرب ما زالت معنويات المواطن السوري عالية رغم التحديات الكبيرة والموارد المادية المحدودة، ومن هنا وضعت الحكومة على رأس أولوياتها تأمين مستلزمات الجيش العربي السوري البطل ودعمه، بالتوازي مع توفير مقومات صمود الدولة السورية والتي ما زال بعض مستلزماتها موجوداً والبعض الآخر تم تأمينه عن طريق الأصدقاء خلال السنتين الأخيرتين.

تبدو حكومتكم مصممة على النهوض بالاقتصاد السوري، كيف تصفون الواقع الاقتصادي حالياً؟

إن واقع الاقتصاد السوري اليوم جيد وهناك مؤشرات حقيقية تدل على ذلك من خلال الموازنة العامة للعام 2018، ومن خلال الأعمال التي تمت في عام 2017، وقد أطلقت الحكومة مشاريع بقيمة تفوق 186 مليار ليرة سورية، منها 100 مليار ليرة للمشاريع الخدماتية والاقتصادية بإشراف الشركات الإنشائية العامة، مع تأكيدنا حرص الحكومة على وضع رؤية لإعادة تأهيل وتخديم كل منطقة يحررها الجيش العربي السوري، إضافة لوضع مشاريع تنموية واستثمارية لهذه المناطق، وما الزيارات الحكومية الميدانية المستمرة للمحافظات إلا بهدف الاطلاع على واقعها ورصد الموازنة العامة بالشكل المناسب للمشاريع الخدمية والإنتاجية التي تنعكس إيجاباً على تنمية تلك المناطق. ولا شك في أن إنشاء مناطق صناعية ووجود مشاريع استثمارية في سورية رغم ما تتعرض له من حرب ارهابية تخريبية دليل على قوة الدولة السورية، ونستطيع القول أننا متفائلون بتنفيذ المشاريع التنموية والإنشائية في وقتها المحدد، وذلك بناء على ما تشاهده الوفود الحكومية من سرعة في العمل خلال زياراتها لمحافظات حماة واللاذقية وطرطوس مثلاً، حيث تقوم اللجان الوزارية التي تم تشكيلها في المحافظات بمتابعة المشاريع التنموية والنتائج الإيجابية في تسهيل عمل الوزارات والتشبيك بينها، مع الإشارة إلى أن المشاريع الخدمية تسير في إطارها الصحيح وفي كل المحافظات خاصة الريف السوري، وهذه الأعمال تندرج جميعها ضمن خطة الدولة لإعادة الإنتاج والإعمار، فخطة العمل الاستراتيجية المتعلقة بإعادة إعمار سورية تأتي ضمن عدة مراحل محددة بجدول زمني لكل منها، حيث تتضمن المرحلة الأولى (المرحلة السريعة) وضع كل وزارة خطة سريعة ضمن اختصاصها لكل منطقة يتم تحريرها من الإرهاب. أما الخطة متوسطة المدى، فهي الأوسع على صعيد لجنة إعادة الإعمار ويتم المضي بها من خلال المشاريع المشتركة بين المناطق والبلدات في كل محافظة، حيث يتم العمل على تأهيل المعامل والمنشات التي تم تخريبها جراء الاعتداءات الإرهابية، ولدينا الأن نحو 400 معمل عادت إلى العمل، وقد تم تخصيص 50 مليار ليرة سورية في عام 2017 لإعادة الإعمار والبُنى الأساسية الحكومية والإنتاجية، ونحتاج فترة قصيرة أيضا لإتمام باقي الأعمال، كما تم تخصيص 23 مليار ليرة لمحافظة حلب تشمل في أولوياتها إعادة تأهيل البنى التحتية الخدمية والإنتاجية وإزالة الأنقاض وإعادة تأهيل خطوط الكهرباء والمياه بما يسهّل عودة المواطنين إلى منازلهم. أما المرحلة الثالثة في خطة الحكومة، فتعتمد على مشروعين أساسيين في بناء سورية وإعادة الإعمار، هما مشروع الإصلاح الإداري الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد ومشروع سورية ما بعد الحرب، وقد قطعت اللجان المتخصصة لدراسة كل القطاعات سواء الخدمية أو الاقتصادية أو التنموية مرحلة جيدة منها، وتضع رؤية لإعادة إعمار سورية.

وركزت الحكومة أيضاً على القطاع الزراعي ولا سيما الزراعات الأسرية وتربية الحيوانات، وتتضمن خطة الحكومة في هذا الإطار استيراد 18 ألف رأس من البكاكير، إضافة إلى الصناعات الحرفية والنسيجية والصناعية وفي الوقت نفسه هناك مشاريع استراتيجية تنموية كبيرة ستنفذ فور تأمين التمويل اللازم لها، كما يوجد خطط لمشاريع كبيرة يجريٍ العمل على تنفيذها كتطوير قطاع الطيران والسكك الحديد ستنفذ لاحقاً. وفي ما يتعلق بالمناطق الصناعية، فكل منطقة تقريباً لديها منطقة صناعية وبمساحة محددة تكون لكل الفعاليات الراغبة بإنشاء صناعات حرفية صغيرة تستقطب الخبرات وتسهم بعملية التنمية المحلية، إضافة إلى وضع التشريعات لدعم التنمية وإعادة تشغيل كل المعامل، وقد تم صرف ما يقارب 500 مليون ليرة سورية لإعادة تأهيل البُنى التحتية المتضررة في منطقة فضلون الصناعية بدمشق لوحدها، تشجيعاً لاستئناف الصناعيين للإنتاج، ما أسهم برفع عدد المعامل التي عادت للإنتاج وتصل إلى 90 معملاً. كما أن المناطق الصناعية كافة تلقى الدعم والاهتمام بهدف تشجيع القطاع الخاص للعمل والإنتاج، ولا يسعنا إلا الإشادة بالنشاط الكبير الذي تشهده المدينة الصناعية في الشيخ نجار بحلب بعد استقرار التيار الكهربائي إضافة لعودة نشاط مدينة الليرمون الصناعية. ولا نخفي وجود رؤية اقتصادية مستقبلية لدى الحكومة لتنظيم التشريعات بحيث تتناسب مع واقع العمل في كل منطقة، مع التأكيد على ضرورة خلق فرص عمل جديدة من خلال عائدات المشاريع الاقتصادية والسير بمفهوم إعادة الإنتاج، بالتوازي مع أهمية العمل المشترك مع القطاع الخاص كشريك استراتيجي في بناء مكونات الاقتصاد السوري، وقد تم في هذا السياق إصدار التشريعات والقرارات اللازمة لتسهيل عمل هذا القطاع ولا سيما سياسة المصارف في منح القروض للمشاريع التنموية والزراعية وتخفيض الرسوم الجمركية، ما عزز ثقة رجال الأعمال بالعمل الحكومي، فهناك يومياً طائرة تصدير محملة بالألبسة والأغذية بعد أن توقف التصدير منذ 7 سنوات، إضافة إلى زيادة حاويات التصدير بنسبة 100%، كما بلغت عوائد تعديل إيجارات استثمارات أموال الدولة 18 مليار ليرة، وهذه كلها عوامل اقتصادية حقيقية تساعد في استقرار الليرة السورية. وبالنظر إلى وجود ما يزيد على 800 معمل بين ما تم إنجازه وبين ما هو قيد الإعمار، فإن هذا الرقم مؤشر ودلالة على نصر سورية وتعافيها.

ما هي خطتكم في المجال الخدمي عامةً والمناطق المحررة خاصةً؟

لن نترك متراً مربعاً واحداً بيد الإرهاب، هذا هو عنوان الحياة والصمود للحكومة كما للشعب.. ونأمل في أن يكون عام 2018 عام انتصار سورية ودحر الإرهاب من كل بقعة فيها. وبالنسبة للمهجرين الذين اضطروا لترك منازلهم هرباً من اعتداءات التنظيمات الإرهابية، فإن الحكومة تولي هذا الموضوع الاهتمام الكامل وتباشر على الفور بإعادة تأهيل البنى التحتية للقرى والبلدات التي يستعيد الجيش العربي السوري السيطرة عليها، وحالما يسمح الوضع الأمني فإن المجال يكون قد أُفسِح لإعادة الأهالي وتوفير كل الخدمات التي تعزز عودة دائمة مستقرة لمواصلة حياتهم الطبيعية، حيث تم تخصيص 6 مليارات ليرة لصرفها على المؤسسات الخدمية لمزاولة أعمالها في المناطق المحررة، كما تم تخصيص 13 ملياراً من الليرات لتأهيل أحياء حلب الشرقية وقرى ريف الرقة الغربي لإعادة البنى التحتية فيها، والتي يبرز منها مشاريع ومحطات ضخ المياه في بلدة الخفسة بريف حلب، وكذلك في مسكنة وإعادة مخافر الشرطة والمدارس ومختلف المنشأت الحكومية، كما تعمل الحكومة على تكثيف دور الوحدات الإدارية ذات الطابع الاستثماري أكثر من الطابع الخدماتي لا سيما وأن قانون الإدارة المحلية هو القانون الأهم بالنسبة للحكومة وتعمل على تفعيله بشكل كامل، باعتبار أن الوحدات الإدارية معنية بكل جوانب التنمية المحلية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المكان الذي تشغله، كما تتجه الحكومة لإنشاء ضواحٍ سكنية حضارية مع مرافقها الخدمية في مختلف مناطق الريف السوري للحد من الانتشار العشوائي للمباني السكنية والحفاظ على الأراضي، ويوجد حالياً أكثر من منطقة سيتم وضع حجر الأساس فيها لبناء ضواحٍ سكنية في مدة تنفيذ لا تتجاوز أربع سنوات، كما تعمل وزارة الأشغال العامة والإسكان بخطة إعادة ترتيب المخططات التنظيمية، وقد أنهت في هذا السياق المخطط التنظيمي لمدينتي حلب وحمص ويتم العمل على إنجاز كل المخططات التنظيمية الأخرى. وبمعنى أخر فإن الدولة السورية قوية بشعبها وجيشها وقيادتها واقتصادها ولا يوجد دولة في العالم تتحمل حرباً لمدة 7 سنوات وما زالت لتاريخ اليوم تعيش باقتصاد متماسك، وهو اقتصاد جاء بفضل ما بنيناه على مدى 40 عاماً وسنستمر في العمل لإعادة سورية كما كانت وأفضل.

تبدون اهتماماً خاصاً بذوي الشهدا،ء ما هي حصتهم من خطط الحكومة؟

لا يمكن أن نفي من قدم دمه فداءً لسورية حقه مهما قدمنا، وذوي الشهداء يحظون باهتمام ورعاية الرئيس بشار الأسد، ولذلك فإننا كحكومة نعتبر أسر الشهداء وذوي الشهداء والجرحى أولوية في عملنا، ومن هذا المنطلق تم إستحداث مكاتب للشهداء في كل المناطق والمحافظات بهدف تسهيل الإجراءات وتأمين متطلباتهم والمزايا التي منحها لهم القانون، وذلك بالتنسيق مع مكتب الشهداء الرئيسي التابع لوزارة الدفاع، ومنذ مباشرة الحكومة الحالية والعمل جارٍ لرسم خارطة واضحة وشفافة يمكن من خلالها تأمين حقوق ذوي الشهداء دون انتقاص وبسلاسة، وقد بدأنا بتثبيت ذوي الشهداء كافةً من المعينين بموجب عقود سنوية، بالتوازي مع وضع خطة توظيف فورية (تم البدء بها) وتشمل زوجات الشهداء وأبنائهم وحالات أخرى تم لحظها بما يؤمن العمل في الدولة بشكل مباشر ودون انتظار أو عراقيل، كما أُعطي أخوة الشهداء فرص حقيقية للمشاركة في مسابقات التعيين التي تعلن عنها الدولة وذلك ضمن نسبة 50% المخصصة لذوي الشهداء، بحيث يحصلون على كامل النسبة المخصصة لهم من المسابقات المعلنة من الدولة. أما بالنسبة للشهيد الأعزب فإنّ كامل راتبه سيعود إلى أبيه وأمه مناصفةً وهذا أقل ما يجب أن نفعله، كما أن والدي الشهيد ضمن رعاية الحكومة المباشرة، وتالياً لمكرمة الرئيس بشار الاسد في المرسوم التشريعي رقم 4 عام 2017 الخاص بتثبيت العاملين الموقتين بموجب عقود سنوية من ذوي الشهداء وبرامج تشغيل الشباب، فإننا أصدرنا قراراً يتضمن التعليمات التنفيذية للمرسوم بحيث يستفيد من أحكام المرسوم العاملون الموقتون من ذوي الشهداء الجاري استخدامهم أو التعاقد معهم بموجب عقود سنوية لدى الجهات العامة قبل صدور القانون 36 لعام 2014 القاضي بحجز نسبة 50% لذوي الشهداء ومن في حكمهم من الشواغر المراد ملؤها بموجب المسابقات والاختبارات التي تجريها الجهات العامة، مع منح آلية التعيين مرونة من خلال إصدار قرارات التثبيت جوازياً بقرار من الوزير المختص خلال مدة سنة من تاريخ صدور المرسوم التشريعي بعد توفر شروط أن يكون قد مضى على استخدام العامل أو التعاقد معه بتاريخ 12-1-2017 مدة سنة، ومدة سنتين في شركات ومؤسسات الإنشاءات العامة وبشكل مستمر في الجهة العامة ذاتها وحالات أخرى تضمن استفادة كافة ذوي الشهداء من التعيين. كما أصدرنا التعليمات التنفيذية للقرار رقم 7- لعام 2017 بخصوص تعيين ذوي الشهداء، بحيث يستفيد من فرصة العمل الزوجة غير العاملة في الدولة، في حين يحصل على هذه الفرصة أحد الأولاد الذي تختاره الزوجة، بالتوازي مع خطوات مدروسة ومُتَابعة من أجل إيفاء ذوي الشهداء حقوقهم التي أكدها القانون وذلك وفاءً للدماء الطاهرة التي قدمها أبناءهم من أجل رفعة الوطن وكرامته.

تتابعون بدقة العمل النقدي، ما هو تقييمكم لمكوناته من مصارف عاملة وشركات الصرافة؟

لم تكن سهلة تلك الظروف التي مرت بها المصارف نتيجة الحظر المفروض عليها والحصار الاقتصادي الجائر المفروض على الشعب السوري، واهتمامنا بالمصارف انطلق من خطة الحكومة لإعادة عملية الإنتاج التي تحتاج إلى مدخلات، ومن هذه المدخلات القروض وكيفية تأمينها، والحكومة تعتبر الإقراض عنوان أساسي في عملية التنمية، مع الأخذ بالاعتبار عدم إمكانية الإقراض وفق الآليات التي كانت متبعة سابقاً، بالنظر إلى أن مليارات الليرات السورية مجمّدة في قروض متعثرة منذ عام 2011، ولذلك ولتمكين المصارف كان لا بد من دراسة واقعها وتقييم التحديات التي تواجهها وسبل تجاوزها وحلها جذرياً، الأمر الذي أفرز ضرورة وضع آلية عمل نوعية لتطوير القطاع المصرفي ومعالجة التخريب الذي أصاب بعض مكوناته خلال الحرب، والتوسع في عمل وإجراء توصيف حقيقي لعمل القطاع المصرفي لتصويب خطواته ليكون صمام أمان للاقتصاد الوطني في المرحلة المقبلة التي تشهد تعافياً اقتصادياً، بالتوازي مع تحديد الإجراءات الواجب إتباعها لتكوين نظام مصرفي متطور يقوم على التعاون الكامل بين المصارف السورية العامة والخاصة لضبط العمل المصرفي، والاتجاه للصيرفة الإلكترونية والسيطرة على المخاطر المتعلقة بالعمل المصرفي، إلى جانب خلق ثبات تشريعي بما يتعلق بعمل المصارف وتوحيد الجهات الرقابية على العمل المصرفي ضمن جهة واحدة تؤدي عملها في تتبع العمل المصرفي دون التأثير سلباً عليه، والمباشرة بإنشاء اتحاد للمصارف السورية كسلطة وتنظيم نقابي فني يساعد المصارف في حل مشاكلها ويتولى التنسيق مع المصرف المركزي بالموضوعات الفنية لمواجهة تحديات العمل، مع تسهيل الإجراءات المرتبطة بعمل المصارف بحيث تكون أكثر سهولة وإعطاء محفزات للمستثمرين للفترة القادمة، وتدعيم علاقة المصارف السورية بالمصارف الخارجية، من دون أن يغيب عن الذهن ضرورة وجود آلية لاستقطاب الكتلة النقدية لدى رؤوس الأموال الوطنية وتعزيز الثقة بالمصارف السورية وتطوير عملها ليواكب مرحلة إعادة الإعمار، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التزام المصارف بالعمل وفق استراتيجية واضحة للسياسة المالية والنقدية واتخاذ خطوات نوعية فيما يتعلق بإدارة السيولة والنقد والعملة الأجنبية وتطوير المصارف وأتمتة عملها وبنيتها التحتية، ولا ننسى بطبيعة الحال الدور الكبير الذي تلعبه المصارف الخاصة العاملة في سورية في دعم الاقتصاد الوطني ومواجهة العقوبات الاقتصادية الجائرة، لا سيما وأن قناعتنا قائمة بأن أي محاولة للارتقاء بالعمل المصرفي بمعزل عن المصارف الخاصة لن تؤدي أهدافها المرجوة.

أما بالنسبة لشركات الصرافة، فالحاجة ملحّة في ظل الظروف الراهنة لتفعيل دورها في دعم الاقتصاد من خلال استمرارها بعملها رغم الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي فُرضت على سورية، لما لها من دور مهم في التغلب على التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها وبدقة لتحسين بيئة نشاطها بما يخدم ويلبّي احتياجات مختلف الأطراف في ظل مرحلة التعافي الاقتصادي التي تشهدها البلاد، بالتوازي مع ضرورة تكاتف الجهود لتعزيز استقرار سعر الصرف واتخاذ الإجراءات التي تسهل استمرار شركات الصرافة بتأدية الدور المنوط بها، لجهة تنفيذ الحوالات والقيام بأعمال الصرافة واستخدام حصيلة الحوالات بالشكل الأمثل في دعم الاقتصاد الوطني، وهي نواحٍ تتأتّى من خلال وضع رؤى بنيوية حقيقية للوصول إلى أرقى مستوى لأداء شركات الصرافة، واستثمار الظروف الإيجابية التي حققها استقرار سعر الصرف لتكوين بنية اقتصادية قوية تنهض من تكاتف شركات الصرافة مع المؤسسات المالية الحكومية، والعمل وفق آلية مشتركة لدعم الاقتصاد الوطني.

وضعتم موازنة باعتمادات استثمارية بلغت 825 مليار ليرة سورية، ما هي دلالات هذا الرقم؟

دلالاته أن البلاد بدأت تعيش مرحلة التعافي ولا بد من وضع اعتمادات استثمارية لكل الوزارات والجهات العامة في موازنة عام 2018 تواكب معطيات المرحلة الراهنة ومرحلة إعادة الإعمار عبر التمهيد لها، ناهيك بالتطور الحاصل في مختلف القطاعات بعد سنوات ست من حرب إرهابية شرسة شُنَّت على سورية، كما عمدنا –لمزيد من المرونة- إلى رفع سقف صلاحيات الوزراء بصرف العقود إلى 400 مليون ليرة سورية في جانب الإنفاق الاستثماري و150 مليون ليرة في الإنفاق الجاري، مع اعتماد معايير محددة للوصول إلى الإداء الأمثل لكل القطاعات في هذه الاعتمادات، حيث أوجب المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء ضرورة تقديم دراسات الجدوى الاقتصادية حول المشاريع الاستثمارية التي تقدمها الوزارات إلى هيئة التخطيط والتعاون الدولي، وموافاتها بالإيرادات المحققة من كل الوزارات وتتبع تنفيذ كل المشاريع الاستثمارية بشكل ربعي، كما قرر المجلس تشكيل فريقي عمل الأول منهما فنّي ومالي لدراسة واقع الأراضي المستملكة من وزارة السياحة وتقديم الحلول بشأنها، والثاني يختص بالنظر في إمكانية استخدام إيرادات الفنادق المملوكة والمستثمرة لوزارة السياحة في إقامة مشاريع استثمارية أخرى، مع طلب المجلس من كل الوزارات التنسيق مع وزارة الاتصالات والتقانة لكل المشاريع المتعلقة بالأتمتة والأرشفة الإلكترونية وكل ما يتعلق بالمعلوماتية، والتنسيق مع المركز الوطني لبحوث الطاقة في وزارة الكهرباء بجميع مشاريع الطاقات المتجددة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن مختلف القطاعات وبعد سنوات من الحرب الارهابية على بلادنا وعلى مختلف الصُعُد باتت تحتاج إلى مزيد من التمكين لخلق أرضية صلبة لتطور أدائها ودفعها باتجاه مزيد من التطور.

تحقّق تقدم نوعي في القطاع الزراعي، كيف تم ذلك، وهل ستعممونه في بقية القطاعات؟

لقد عملت الحكومة منذ اليوم الأول لتوليها مهامها على دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر ونشرها، ووجهنا وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي للعمل ضمن هذا الإطار ولوضع الخطط والبرامج اللازمة كي تنتشر هذه النوعية من المشاريع على كامل الجغرافيا الوطنية لتشمل ملايين الأسر والعائلات، ومن يقرأ الاقتصاد الصحيح لا سيما في سورية يقتنع تماماً بأن المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر هي الأهم والأجدى في دعم الاقتصاد وتنميته وتحريكه، دون أن يفسّر ذلك بعدم الاهتمام الحكومي بالمشاريع الكبيرة والصناعية، فالمشاريع الصغيرة سواء كانت زراعية أم حرفية كانت موجودة تقريباً في كل بيت، ومنها ما يطلق عليه اسم المشاريع الأسرية التي نؤمن بها وبدروها الاقتصادي، وهذا ليس بجديد على الاقتصاد والمجتمع السوريين، فهناك برنامج “مشروعي” الذي أعطى نتائج جيدة، ونحن اليوم نقوم بتعميم هذا المشروع على كافة المحافظات، حيث قمنا بعدة زيارات في هذا المجال شملت محافظات اللاذقية وطرطوس ووضعنا الخطط والبرامج، التي تتابعها حالياً وزارة الإدارة المحلية والبيئة ليتم استكمال كافة الإجراءات بما فيها المالية ليشمل كافة القرى الريفية، وهنا تبرز أهمية العامل البشري، حيث وضعنا خطة لتدريب كافة القائمين على وحدات الإدارة المحلية ممن يؤمنون بثقافة التنمية الاقتصادية للمشاريع الصغيرة، وفي نفس الإطار فإن لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية آلية عمل للمشاريع المتوسطة والصغيرة، وكذلك لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل آليتها التي تُعنى بمشاريع الدعم ضمن تنظيم المعونة الاجتماعية، وهي بمجملها إجراءات بدأنا نلمس نتائجها على كافة أبناء الوطن خلال العام 2017.

إذاً تقوم استراتيجية الحكومة على عنصرين أساسيين: الموارد البشرية والمدخلات المادية؟

لقد تطرق البيان الحكومي الذي تم إعلانه إلى أهمية التنمية البشرية والذي اعتبرته الحكومة منهاج عمل أساسي في عملها عبر التركيز على الإعلام والتربية والأوقاف والثقافة من خلال مصفوفات عمل لكل مكونات التنمية البشرية والفكرية، ولكن عملنا محكوم بالأولويات، ‏‏وعندما بدأنا بالعمل قمنا كفريق ومنذ الأيام الأولى من عمر الحكومة بوضع رؤية مشتركة تتعلق بدعم الجيش وتعزيز صمود المواطن وتطوير العملية الإنتاجية، هذه العناوين الأساسية مجتمعة بحاجة لمدخلات حتى نستطيع القيام بها، وأهم مدخل هو التحدي المالي تليه القوانين والأنظمة ومن ثم العامل البشري، فمعاناة الكثيرين نتيجة الإرهاب وما أفرزه كانت سبباً بضعف فعالية الأداء والعمل، في حين كان يمكن لهذه الفاعلية أن تتغير نحو الأفضل في الظروف الطبيعية، دون إغفال أهمية المدخل المادي، فخطة عمل الحكومة اليوم هي المدخلات المادية بالإطار العام، وعليه قمنا بدراسة الواقع ووضع البدائل لكن ما بُني على مدى أربعين عاماً في الدولة السورية لا يمكن أن تظهر بدائله خلال أشهر، ولذلك تقدّر الحكومة صمود المواطن واحتضانه لها وما يعقده عليها من آمال لتحسين وضعه المعيشي، لكن التحديات وحجم الخراب والتدمير نتيجة الإرهاب كبيرين وهذا يحتاج لسنوات وموارد مادية بمئات المليارات من الليرات السورية، وما من حكومة بين كل حكومات العالم قادرة خلال أشهر أن تبني ما دُمّر وهو الذي تطلب تشييده أربعين عاماً.

وفي السياق نفسه عملت الحكومة على إعطاء القطاع الزراعي اهتماماً خاصاً، والأمر كذلك ينطبق على قطاع الصناعة حيث يوجد مئات المعامل المدمرة التي تحتاج لمئات الملايين من الليرات السورية لإعادة بنائها إضافة للوقت الذي تتطلبه تلك العملية، فالمعمل الذي يحتاج لإعادة بنائه إلى سنة ضمن ظروف طبيعية وتوافر المواد الأولية يحتاج ضمن الظروف الحالية إلى أكثر من ذلك، ناهيك عن القيمة المادية التي تضاعفت بشكل كبير، ولكن الحكومة لم تقف مكتوفة اليدين بل عمدت إلى معالجة كافة الملفات وخاصة ملفات الاقتصاد والخدمات وتطوير البنى البشرية، كما يتم العمل على الخطوات الإجرائية من خلال السياسة المالية، كإجازات الاستيراد وآلية التصدير والتنمية وإصلاح التأمين والمصارف، إضافة إلى إجراءات منع الاحتكار وتأمين متطلبات أبناء الوطن، وهي ملفات كبيرة نعالجها بشفافية وبرويّة لتحقيق الأهداف التي حددتها الحكومة.

 

 

*************************************

مجلـــة البنك والمستثمر
العدد 205 _كانون الثاني 2018