تكتل مصرفي عربي لمواجهة الازمات المالية

نظم اتحاد المصارف العربية الدورة الحادية والعشرين من المؤتمر المالي والمصرفي العربي والدولي بعنوان “اللوبي العربي الدولي – لتعاون مصرفي أفضل”، في فندق فينيسيا في بيروت ، برعاية رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق تمام سلام ،وبالتعاون مع مصرف لبنان وجمعية مصارف لبنان والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وفي حضور عدد كبير من السفراء والديبلوماسيين العرب والأجانب وقيادات المصارف العربية.

وبحث المؤتمر سبل تعزيز دور القطاع المالي في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإيجاد طرق جديدة في عمل البنوك بما فيها البنوك المركـزية عبر وضع رؤية مستقبلية تدرس كيفية إنشاء تكتلات مصرفيـة أو مالية عربيـة للتـأثير بشكل أكبر على الساحة الاقتصادية والمصرفية الدولية.

متانة القطاع المصرفي اللبناني

تحدث حاكم مصرف لبنان رياض سلامه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر فقال:  إن “لبنان حافظ على إمكانياته التمويلية بكافة العملات رغم الصعوبات التي واجهها سياسيا ورغم المخاطر الأمنية”، موضحا أن “احتياطات المصرف المركزي بلغت في أيلول/سبتمبر 2016 مستويات هي الأعلى تاريخيا وارتفعت ودائع المصارف بمعدل سنوي يقارب الـ5%. وحافظت الفوائد على مستوياتها المستقرة بل أصبحت الفوائد على العملة الوطنية أدنى من الدول المجاورة باستثناء الدول النفطية”.

ولفت سلامه الى أن “المصارف عززت أموالها الخاصة لكي تستمر بمهامها التسليفية. فلديها ما يكفي من الأموال الخاصة لتحقيق المعايير المحاسبية الدولية ولرفع ملاءتها إلى 15% تبعا لمقررات بازل 3، ما يمكنها من التوسع بالتسليف (نسبة نمو التسليفات في عام 2016  6,56%). كما زادت القروض للقطاع الخاص بنسبة 4 % في حين تدنت القروض إلى القطاع العام بنسبة 6 %”.

وأشار سلامه الى أنه “كان لهندسات مصرف لبنان الأخيرة دور أساسي بالمحافظة على هذا الاستقرار التسليفي وعلى تدعيم الاستقرار بالليرة والفوائد (الفائدة على الليرة اللبنانية 7%، الفائدة على الليرة التركية 10%، والفائدة على الجنيه المصري 15%)”.

***********

مواصلة تحفيز الاقتصاد

واعتبر سلامه أن : “إن انتخاب الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية وتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة يعززان ثقة المستهلك والمستثمر لا سيما إن أقرت الموازنة وفعلت المؤسسات الدستورية والخطط الاقتصادية والمساعدات من أجل التخفيف من أعباء الحرب السورية على لبنان” ، مشيراً إلى أن مصرف لبنان “سيتابع مبادراته المحفزة للاقتصاد من خلال دعم الفوائد على قطاعات السكن والصناعة والزراعة والسياحة والإبداع الفني إضافة إلى القروض التعليمية وقروض القطاع التربوي والصحي والاستشفائي، ودعمه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما سيستمر بدعم مشاريع توفير الطاقة والطاقة المتجددة بالتعاون مع مؤسسات دولية (الاتحاد الأوروبي وإيطاليا) من خلال آلية (NERRA)التي أمنت 10 آلاف فرصة عمل. فارتفع عدد الشركات من 60 إلى أكثر من 300 منذ إنجاز هذه المبادرة”.

ولفت الى أنه “استفاد من هذه القروض 153 الف شخص ومؤسسة وبلغ رصيدها التراكمي 14 مليار دولار”، موضحا أن “القروض السكنية تشكل 63% من هذه القروض موزعة على 98 الف مقترض، في حين تستفيد القطاعات الانتاجية من 37% من هذه القروض”.

وأكد أن “هذه المبادرات قد أدت إلى المحافظة على نمو إيجابي في الاقتصاد اللبناني، وهي تساهم بأكثر من 50% من نسب النمو السنوي الذي يحققه لبنان”، مشددا على أن “مصرف لبنان يشجع المصارف على الإقراض بالليرة اللبنانية فتصبح الليرة بذلك أداة للنمو الاقتصادي”.

وقال: “إننا نتوقع للعام 2016 نموا يتراوح بين 1,5 و2% مع نسب تضخم تقارب الصفر. وسيستمر مصرف لبنان بدعم اقتصاد المعرفة الرقمي وقد بدأ بحصد النتائج بعد 3 سنوات فقط من إصدار التعميم 331. يوجد حاليا في السوق اللبنانية ما يقارب الـ800 شركة ناشئة، وقد خلق القطاع 6000 فرصة عمل، وأضاف على الثروة الوطنية ما يقارب المليار دولار. ونحن نتطلع إلى نمو في هذا القطاع ما بين 7 و9% سنويا خلال الثلاث سنوات المقبلة”.

بدوره، قال رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان عدنان القصار: “إن صمود القطاع المصرفي اللبناني في وجه العواصف المتلاحقة من كل حدب وصوب، يعود بالدرجة الأولى إلى نظامنا المصرفي المتماسك، والذي أرسى دعائمه الهندسات المالية التي ابتكرها حاكم مصرف لبنان  رياض سلامه، هذا إلى جانب التزام لبنان بمعايير الشفافية وبالنظم المالية العالمية”.

أضاف: “المطلوب إيجاد تكتل عربي مصرفي منظم، يساهم في صياغة السياسات المصرفية الدولية، بما يتناسب مع مصلحة القطاع المصرفي العربي، وذلك من أجل التواجد بشكل أكبر على الساحة الاقتصادية والمصرفية الدولية، بما من شأنه أن يؤمن منصة مشتركة لقادة البنوك المركزية العربية، والمؤسسات الرقابية والتشريعية الدولية والمؤسسات المصرفية والمالية، وذلك من أجل خلق حوار بناء للوصول إلى أفضل الممارسات لتطبيق القوانين والتشريعات الدولية”.

دور المصارف في إعادة الاعمار وتحريك الاقتصاد

وفي كلمته الافتتاحية، أشار رئيس اتحاد المصارف العربية محمد جراح الصباح  إلى أن “الحروب والنزاعات، والتشريد، واللجوء، والإرهاب، والصراعات التي دمرت المدن والبنى التحتية وأطاحت الاقتصادات العربية، وأدخلت المنطقة العربية في المجهول بحثا عن السلام والاستقرار”، مؤكدا أن “القطاع المصرفي العربي يستطيع أن يساهم في صنع السلام من خلال إعادة الإعمار والبناء وتحريك عجلة الاقتصاد والاستثمارات، خصوصا إنه يمتلك إمكانات مالية وبشرية كبيرة، وثقة دولية مميزة، نظرا لحرصه على تطبيق المعايير الدولية والالتزام بها”، كاشفاً  أن إجمالي أصول القطاع المصرفي العربي تبلغ حاليا حوالي 3.3 تريليون دولار ونحو تريليوني دولار كودائع، إضافة إلى 1.7 تريليون دولار تمثل إجمالي القروض.

من جهته  لفت رئيس جمعية المصارف في لبنان رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزف طربيه إلى أن ” الكلفة الاقتصادية لما يحصل من حروب في عدة بلدان عربية تضعنا جميعا أمام تحديات مصيرية تتناول إعادة البناء السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني”.

بدورها لفتت وزيرة التعاون الدولي في مصر سحر نصر إلى أن” التحديات التي يواجهها العالم العربي تحتم علينا التكاتف وبشكل سريع لمواجهة المشكلات وتحقيق الاستقرار والأمن ومكافحة الإرهاب الذي شكل تهديدا حقيقيا، فنؤكد على الحاجة إلى تعزيز مرافق البنية الاساسية الإقليمية للسماح بالتكامل الإقليمي المستدام. وفي المدى القصير، يمكن تطوير مشروعات إقليمية حيوية في مجالات المياه والطاقة والنقل التي يمكن أن تحدث تغييرا”.

أضافت: “نتطلع الى وضع خطة محددة بجدول زمني لإحياء النشاط الاقتصادي في المنطقة العربية ككل وتتيح المجال أمام تنفيذ برامج اصلاح شاملة، من خلال تحقيق الشمول المالي وتقديم المزيد من الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية”.

**********************

تكتل مصرفي يتخطى الخلافات السياسية

وفي اليوم الثاني والأخير من المؤتمر الذي أدار جلساته نائب حاكم مصرف لبنان الدكتور محمد بعاصيري ، تحدث وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني السابق آلان حكيم ،حيث  شدّد  على “أهمية التعاون والتنسيق بين كافة الدول العربية لما لذلك من دور في تحرير طاقات الاقتصاد العربي غير المستغلة والمساهمة في تقدمها الاقتصادي والانمائي. فالتكتل المصرفي العربي يجعل من المصارف العربية ذات تأثير أقوى لا سيما وأنه يحد من تعرضها للأزمات المالية العالمية ويعزز من قدراتها ومصادر قوتها على هذا الصعيد”. وعدّد حكيم منافع التكتّل المصرفي مثل تحسين التجارة البينية، تعزيز الاستثمارات و تحسين القدرة التنافسية للمنطقة.

ثم كانت كلمة لوزيرة التضامن الاجتماعي في مصر غادة الوالي أشارت فيها إلى أن القطاع المصرفي العربي أثبت أنه أكثر صلابةً وقوّةً من كثير من المؤسسات والأنظمة”. واقترحت أن تعمل المؤسسات المصرفية العربية على “تحقيق الشمول المالي لكل شرائح المجتمع  وبناء تكتّل إقليمي يتخطّى أي خلافات سياسية أو نزاعات إقليمية ويركّز على المصالح الاقتصادية. فإذا نجحت المصارف العربية أن تتوحّد في خدمة القضايا العربية وأن تنهض بالاقتصادات والمجتمعات العربية، تصبح بذلك مؤهّلة للتكتّل لفرض رؤاها على المستوى الدولي وليصبح لها صوتاً مسموعاً عند صياغة التشريعات والسياسات الحاكمة لمنظومة التمويل الدولية”.

أما السفير الصيني في لبنان وانغ كجيان، فقال في كلمته إن “الصين تولي اهتماماً كبيراً بالصداقة التقليدية وعلاقات التعاون الاستراتيجية مع الدول العربية وتحرص على إثراء وتعميق التعاون العملي الشامل الأبعاد والمتعدد المستويات والواسع النطاق بين الصين والدول العربية ومن أهم هذه الأبعاد البُعد المالي”، مشدداً على أن بلاده  “تدعم قيام المؤسسات المالية الصينية ونظرائها العربية المؤهلة بفتح فروع لها لدى الطرف الآخر”.

كما تخلل اليوم الأخير من المؤتمر جلسة بعنوان  “الحوار المصرفي العربي الصيني”.

توصيات المؤتمر

وبختام أعمال المؤتمر، خرج المؤتمرون بالتوصيات التالية لتسهيل إنشاء تكتلات مصرفية عملاقة وإنشاء لوبي أو تكتل عربي من أجل التواجد بشكل أكبر على الساحة الاقتصادية والمصرفية الدولية:

  1. دعوة المصارف العربية إلى التكاتف والتلاقي وتركيز امكاناتهم والمزيد من استثماراتهم في منطقتنا العربية، واعتماد صيغة تكامل، تؤمن التشارك والتفاعل في عملية التنمية الاقتصادية والبشرية والانسانية.
  2. تكوين تكتل مصرفي عربي لمواجهة الضغوط الدولية، وتعزيز العمل الاقتصادي العربي المشترك، وتفعيل دور المصارف العربية في صياغة القرارات المالية والنقدية والاقتصادية الصادرة عن المؤسسات والمنظمات الدولية، يضمن حضوراً راسخاً على الساحة المصرفية الإقليمية والدولية، وسلامة النظام المصرفي العربي.
  3. عقد شراكات استراتيجية بين المصارف العربية، وبينها وبين المصارف الدولية، وخلق تجمعات عملاقة لتشجيع الاستثمار العابر للحدود، واستقطاب الموارد المالية وإدارتها وتوظيفها في الاقتصادات العربية، والعمل على توجيهها نحو الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي.
  1. دعوة السلطات المختصة وصنّاع القرار الاقتصادي والمالي العربي إلى تأمين الأرضية المناسبة لزيادة التنسيق والتقارب بين الاقتصادات العربية، وزيادة انفتاح الأسواق العربية على بعضها البعض، وتبني سياسات داعمة للنمو والتنمية.
  1. بذل المزيد من الجهود والتعاون بين السلطات الرقابية العربية من أجل وضع خطة موحدة تهدف إلى مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي.
  1. ضرورة تعزيز علاقات المصارف العربية مع المصارف المراسلة، وتعميق وتكامل إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وإرسال رسائل لطمأنة العالم بأن النظام المصرفي العربي آمن وكفوء، خصوصاً في مجال العلاقات مع المصارف المراسلة، وأنه يتخذ مختلف التدابير ويطبق المعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي.
  1. دعوة المصارف العربية إلى تخصيص نسبة من استثماراتها الخارجية، لدعم مشاريع إعادة الإعمار والمساهمة في معالجة تداعيات الحروب والنزاعات التي شهدتها بعض الدول العربية.
  1. التأكيد على ضرورة تعزيز الشمول المالي في المنطقة العربية، وبخاصة في مجال تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة، لما له من أثر مباشر في مكافحة البطالة، والحد من الفقر والأمية، ومكافحة الارهاب.