اليورو يهدد مستقبل أوروبا

اعتبر الاقتصادي الأميركي جوزيف ستيغليتز، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد عام 2001، أن العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” هي السبب خلف الكثير من المشكلات التي تعانيها منطقة اليورو مثل الانكماش الاقتصادي وارتفاع البطالة وصعود اليمين المتطرف، موجهاً في الوقت ذاته انتقادات شديدة إلى السياسة الاقتصادية الأوروبية قائلاً: “حين تعتمدون نماذج اقتصادية خاطئة، تصلون حتماً إلى تشخيص سيء وحلول سيئة”.

عملة صممت بشكل سيء
وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس أجراها بعد إطلاق كتابه الجديد بعنوان “اليورو: كيف تهدد العملة الموحدة مستقبل أوروبا”، قال الاقتصادي الأميركي والرئيس السابق لقسم الاقتصاد في البنك الدولي إنه بعد بدء العمل باليورو “كان الخبراء الاقتصاديون يترقبون الصدمة الأولى من أجل اختبار العملة. حصلت الصدمة عام 2008 وكانت العواقب كارثية”، منتقداً عملة صممت بشكل سيء برأيه تحت تأثير “أيديولوجيا الليبرالية الجديدة”. وندد بالقواعد المعتمدة في منطقة اليورو وتحديداً فرض سقف للعجز في الميزانية قدره 3 % على البلدان، معتبراً أن هذه النسبة “جاءت من العدم” ولا تقوم برأيه على “أي نظرية اقتصادية”. داعياً إلى مراجعة قواعد اليورو.

وأبدى ستيغليتز استياءه  قائلاً: إن تلك الفكرة بأن التقشف يسمح بالعودة إلى النمو والازدهار باتت اليوم مرفوضة من معظم خبراء الاقتصاد ومن صندوق النقد الدولي حتى. لكنها للأسف لا تزال الرأي المهيمن داخل الحكومة الألمانية وتحديداً في وزارة المالية، عارضاً إرسال نسخة عن كتابه لوزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله. وتابع : إنني واثق بأن كتابي لن يقنعه، وهو يندد فيه بما يصفه بـ“أيديولوجيا الليبرالية الجديدة” في الاتحاد الأوروبي.

ومعلقاً على مفهومه لكلمة “أيديولوجيا”، قال: إنها معتقد لا يقوم بالضرورة على إثباتات، مذكراً بأن “التقشف فشل في أزمة الكساد الكبير، ثم في آسيا والأرجنتين، والآن في أوروبا أيضاً”. وتابع : “اللافت أن صندوق النقد الدولي استخلص العبر من هذا الماضي، وهو يقر بأنه أخطأ”. وفي المقابل، يستغرب الخبير الاقتصادي أن بعض الحكومات الأوروبية مثل حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لا تزال تطالب بسياسات تصحيح مالي لا تتماشى مع الإصلاحات التي تحتاج إليها منطقة اليورو.

غياب آليات التصحيح
وتكمن الأخطاء برأي ستيغليتز في جذور اليورو نفسها، وهو يرى أن الأوروبيين وضعوا العربة قبل الحصان ببدئهم العمل بالعملة الموحدة قبل إنشاء المؤسسات الضرورية لإدارتها.

وتابع أن “العملة الموحدة حرمت الدول من أهم آليتي تصحيح: أسعار الصرف ونسب الفوائد. الدول مكبلة الأيدي ولا هامش تحرك لديها سوى في الميزانية. والأمر نفسه ينطبق على البنك المركزي الأوروبي الذي لا يمكنه تركيز عمله إلا على التضخم”. ودعا إلى التحرك لتجنيب المشروع الأوروبي المخاطر. وقال “قد يكون اليورو مناسباً لبعضهم وللمصرفيين، لكنه لا يناسب المواطنين العاديين. المجتمع يراوح مكانه، لا ينمو، وهذا ما يعطي دفعاً لأحزاب اليمين المتطرف”.

حلول للخروج من الأزمة
وطرح ستيغليتز في كتابه عدة حلول لإخراج أوروبا من المأزق، ويعطي الأفضلية من بينها لتجهيز منطقة اليورو بمؤسسات تسمح بحسن سير عملها، مثل بنك مركزي “لا يكتفي بمكافحة التضخم، بل يركز على مكافحة البطالة وعلى النمو”. وإن كان المواطنون لا يقبلون بتشديد سلطة المؤسسات الأوروبية، فهو يقترح عدة وسائل لتقليص هذه السلطة موضحاً أن “الأسهل من بينها هو خروج ألمانيا من اليورو، ما سيجعل الدول الأخرى أكثر تنافسية بفضل تراجع قيمة العملة الموحدة”. كما أوصى من بين الحلول الأخرى بـ“طلاق ودي” وصولاً إلى إقامة منطقتين نقديتين أو حتى 3 مناطق نقدية بانتظار استحداث المؤسسات الضرورية.