الثقافة المالية دورها لدى الأفراد والاقتصاد وكيفية انتشارها

الثقافة المالية

دورها لدى الأفراد والاقتصاد وكيفية انتشارها

سلام نقفور

أستاذ محاضر في الجامعة العربية المفتوحة -مستشار مالي وخبير تدريب

 

إن مصطلح الثقافة المالية يستخدم للإشارة لمختلف الأساليب المستعملة لزيادة المعرفة المالية لدى الأفراد. إنها العملية التي يمكن بواستطها للأفراد تحسين فهمهم للمنتجات والمفاهيم المالية مما يتيح لهم أن يطوروا مهاراتهم وقدراتهم و القيام بخيارات مدروسة أكثر حكمة ووعياً مؤديةً بالنتيجة الى تقليص احتمالات الخسائر المالية لديهم .

لقد كشفت الأزمة المالية العالمية في العام 2008 مستوى النقص في المعرفة المالية لدى الأفراد فيما يخص خياراتهم الإستثمارية ومحفظة قروضهم. لقد قال رئيس مجلس إدارة الاحتياط الفدرالي في أميركا في إحدى تصريحاته ” إن المشكلة رقم واحد عند الجيل الحاضر وفي الاقتصاد أيضاً هي النقص في الثقافة المالية”.

إن الفرد المستهلك والمستثمر بشكل عام يفتقد الى المعرفة المالية الضرورية كي يتمكن من التعامل بشكل أفضل مع تحديات العالم الحديث. إن الإحصاءات والدراسات الصادرة عن

International Foundation of Employee Benefits تشير الى أن المشاكل والتحديات المالية تؤثر بشكل سلبي على حياة الفرد وعلى إدائه في العمل وبأشكال مختلفة مثل زيادة مستويات الضغط، نقص القدرة على التركيز، إنخفاض المعنويات، الغياب والتعب، الصحة الجسدية والعلاقة مع الزملاء في العمل.

إن معرفة هذه التحديات يساعدنا في إيجاد منهجية فعالة للثقافة المالية قادرة على مواجهتها. إن هذه التحديات كثيرة ولكنه يمكن حصرها في مواضيع المعرفة التي تتعلق بالحد الأدنى لكيفية إدارة الأموال ومن بينها كيفية التوفير، كيفية الحصول على قرض وطرق سداده واختيار القرض الأفضل، ماهية بطاقة الاعتماد وكيفية استعمالها ومنافعها، إعداد الموازنة الفردية وموازنة العائلة ، القيمة المالية للنقود وطرق احتساب الفائدة، كيفية تجنب الإفلاس الفردي، القدرة على إدارة أموال التقاعد، أنواع الحسابات المصرفية، أدوات الاستثمار الممكنة، ماهية المخاطر المالية وأنواع التأمينات وأهميتها…ألخ.

إن العنصر الأساسي والمهم في خلق إدارة مالية شخصية ناجحة هو قدرة الفرد على التخطيط المالي مثل إنشاء موازنة تتضمن كل الإيرادات والمصاريف لفترة زمنية محددة. وهذا ما يساعد على تجنب المشتريات غير الضرورية وتوفير المال وتخصيصه لغاية الاستثمار مما يؤثر بالطبع إيجاباً على الوضع المالي للفرد وعلى القطاع المالي وعلى الوضع الاقتصادي العام للبلاد.

لقد دلت الاختبارات السابقة والدراسات على أنه من الأهمية بمكان أن تبدأ عملية الثقافة المالية في عمر مبكر إذ أن التخطيط المالي السيء في السنين أو المراحل الأولى من استقلالية الفرد يصعب تصحيحه في المستقبل .إن الثقافة المالية المبكرة يمكن أن تبدأ في المدارس، من خلال برنامج تثقيفي خاص أو من خلال الجمعيات والمنظمات المدنية حيث يمكن لهذه الجمعيات أن تعقد ورش عمل وندوات تهدف الى تعميق معرفة الأفراد في الأمور المالية الأساسية والى تغير سلوكهم في الإنفاق والتوفير والإستثمار .كما يمكن لهذه الثقافة المالية أن تدخل في صميم حياة الشباب من خلال إدماجها في النشاطات الكشفية وبأشكال مختلفة.

إن المصارف المركزية يمكن أن تلعب دوراً أساسياً أيضاً في نشر هذه الثقافة من خلال التدخل المباشر عن طريق نشر التعاميم والبيانات والقرارات الملزمة للآخرين أو من خلال تسهيل التدخل للآخرين في عملية انتشار هذه الثقافة. إن هذا التدخل يفيد في تحسين فعالية السياسة المالية، تحسين إداء وعمل الأسواق المالية، دعم السياسات الاقتصادية المستدامة وإدراج هذه الثقافة ضمن مفهوم جديد هو مفهوم الصالح العام .

كما يمكن للمصارف التجارية نفسها أو جمعية مصارف لبنان أن تلعب دوراَ عبر إقامة أو رعاية ندوات وورش عمل مباشرة تتناول جميع أوجه الثقافة المالية .

إن مؤسسات التمويل الأصغر يمكن أن تلعب دوراً ايضاً في نشر هذه الثقافة من خلال الدورات التدريبية التي تقيمها لتثقيف أصحاب القروض القصيرة في كيفية إدارة مشروعهم الصغير .

وأخيراً يجب أن ينظر الى الثقافة المالية كعملية مستمرة وكمشروع يمتد بامتداد الحياة له أهدافه واستراتيجيته ويعمل في النهاية على دعم الفرد وتحسين وضعه الحالي والمستقبلي .