يازجي: مشاريع ضخمة تستعيد موقع سورية السياحي

أكد وزير السياحة في سورية المهندس بشر رياض يازجي في حديث لمجلة البنك والمستثمر، أن ستة عقود استثمارية سياحية كبرى وقعت عام 2017، في حين يصل عدد المشاريع المطروحة للاستثمار في 2018 الى ما يزيد على 48 مشروعاً. وأشار إلى أن الوزارة تهتم بالشراكة مع القطاع الخاص في إعادة ترميم البنى التحتية السياحية وتأهيلها وبصيغ متعددة، إلى جانب عملها على خارطة الاستثمار السياحي لإعادة الألق إلى كل المناطق، مع التركيز على المنطقة الساحلية لغناها بالمقومات الطبيعية والجمالية والتي تشكل نقطة جذب واستقطاب للسياحة.

وفيما يلي نص الحديث:

مشاريع كثيرة باشرتها وزارة السياحة لتوسعة المرافق وترميم البنى التحتية ما هو واقعها؟

لم تتوقف وزارة السياحة ورغم الحرب عن متابعة واقع بناها التحتية ومرافقها، ولكن ومنذ عام 2014 تم وضع خطة مرنة متناسبة مع الواقع الذي أفرزته الحرب الإرهابية على سورية من أعباء كبيرة على القطاع السياحي، وخاصة في مجال المنشأت التي دُمِّرت والمشاريع التي توقفت، لذلك باشرنا وضع الحلول خلال الفترة الماضية، إضافة إلى التركيز للترويج للسياحة الداخلية والسياحة الدينية. ومنذ مطلع عام 2017 بدأنا في البرنامج الخاص لإعادة تنشيط السياحة الخارجية من خلال برامج ترويجية مع الاهتمام بالاستثمار بشكل كبير جداً، وقد تم افتتاح منشآت إقامة خمس وأربع نجوم، وباشرت العمل. أما في عام 2018 فقد تم التركيز في الخطة المرنة على نقاط عديدة، أولها متابعة خطة الاستثمار بشكل حثيث من خلال إعادة طرح مشاريع كبرى بعد متابعة سوق الاستثمار المفتوح أمام كل المستثمرين، فيما الجانب الأهم في عام 2018 ومع عودة كثير من المصايف السورية إلى العمل هو التركيز على إعادة الألق إلى الخدمات السياحية بالتعاون مع كل الوزارات ذات الصلة. ورغم أن القطاع السياحي كان ناشطاً حتى في أحلك الظروف ورغم استمرار بعض الفعاليات السياحية والمهرجانات، ولكن بدأت المهرجانات عام 2018 تظهر بشكل مميز جداً، كمهرجان الوادي ومهرجانات حلب وذلك لإعادة نبض الحياة بشكل قوي في المحافظات والمناطق التي تم تحريرها بشكل كامل مثل حلب والزبداني وبلودان، ناهيك بالرسالة التي شكلها معرض دمشق الدولي بدورته التاسعة والخمسين، كما بدأنا التركيز على الخدمات السياحية، بدءاً من تحسين واقع الخدمات في هذه المناطق وانتهاء بالتركيز على البنى التحتية الجديدة بصيغ استثمارية جديدة بالتعاون مع المستثمرين.

إقبال كثيف يسجل على الاستثمار السياحي، كيف تحقق ذلك والأوضاع العامة لم تستقر بشكل كامل بعد؟

نعمل دوما في طرح الاستثمارات على موضوعين اثنين: أولهما الثقة… وكما هو معروف فقد وقفت الحكومة السورية مع المستثمرين في فترة الحرب من خلال جدولة القروض والإعفاء من المدد الزمنية، لذلك اعتمدنا دوماً على الثقة ما بين المستثمر والوزارة تأسيساً على الشفافية حيث تطرح كل المشاريع بشفافية مطلقة أمام المستمرين مع العرض المباشر على شاشات التلفزيون للمشروع وتفاصيله والتوصيف والتوظيف ومقومات الموقع، من أجل جذبهم مع تحديد مدة الدراسات بشهر واحد فقط من تاريخ انتهاء التقديم وبدء اللجان عملها لإعلان النتائج أمام الإعلام وبالأخص المشاريع الاستراتيجية الكبرى حيث يتم فض العروض أمام كاميرات التلفزة. ونتيجة لذلك سُجٍّل اقبال كبير جدا حيث شهد عام 2017 توقيع عقود جديدة تزيد على 6، في حين يصل عدد المشاريع المميزة المطروحة بشكل عام في 2018 الى ما يزيد على 48 مشروعاً.

أما المميز هذا العام، فقد تم ولأول مرة في سورية طرح مشاريع استراتيجية كبرى وأبرزها ثلاثة: أولها مشروع بوسيدون في رأس البسيط، والثاني لازورد في برج إسلام، والثالث في العيساوية واسمه الأكوامارين، ويتم تأهيل الشركات لدراستها من ناحية الكفاءة الفنية والملاءة المالية من أجل الدخول بصيغ استثمارية متعددة إن كانت بالإدارة أم بصيغة الاستثمار أو التطوير لإقامة مدن سياحية لائقة، مع الأخذ بالاعتبار وجود الشواطئ المفتوحة والأماكن المجانية والمتنزهات حتى تحقق هذه المدن رغبات كل المواطنين السوريين بدءاً من الخمس نجوم وصولاً إلى الشعبية منها، وهو أمر يعتبر نتاج المرحلة الأولى من الخارطة الاستثمارية السياحية التي تعمل عليها وزارة السياحة في كل المحافظات السورية، مع التركيز في الفترة الحالية على الساحل السوري نتيجة الغنى الكبير في المقومات السياحية فيه وشموله لكل الفرص الاستثمارية الممكنة التي تحقق عائداً اقتصادياً للمواطن السوري. وانطلاقاً من قناعة الوزارة أن السياحة ليست حفلات وليست رفاهية بل السياحة حالياً هي تدوير للعجلة الاقتصادية ويجب أن تنعكس مقومات السياحة على المواطنين من خلال القطاع السياحي، وعندما يتم ضخ مبالغ مالية في منشآت سياحية، سواء كانت بسيطة كالتنور أو ضخمة كفنادق النجوم الخمس في الأماكن التي تشتمل على مقومات سياحية كالجمال والأثار أم البحيرات والأنهار أو البحر أو أية مقومات سياحية أخرى كالسياحة الدينية، يجب أن تنعكس حصيلتها بالضرورة على المجتمع المحلي الذي توجد فيه، ولذلك فوزارة السياحة مستمرة في خطتها لتحقيق أهدافها لعكس نتاج هذا القطاع على المجتمعات الموجودة في الوحدات السياحية لتكون السياحة رافعة اقتصادية في هذه المناطق.

ألا تتطلب كل هذه الاستثمارات الضخمة أموالاً وقروض؟

بالطبع تحتاج ذلك، وقناعتنا أن العمل في القطاع السياحي هو تحدً كبير نتيجة الضرر الذي لحق بمداخيل المواطنين، فانعكاس الحرب على القدرة الشرائية أفرز محدودية الإنفاق وكذلك محدودية في الإمكانيات الموضوعة لأجل البنى التحتية في الأماكن السياحية، وكل متابع يعرف توجهات الحكومة خلال الفترة الماضية باتجاه الصحة والتعليم ودعم المحروقات والرغيف، ولذلك لم تقم الأولوية للبنى التحتية الخدماتية الخاصة بالقطاع السياحي أو الخدمات السياحية، ولا ننكر أن النقطة الأهم هي التمويل والقروض إذ لا يمكن أن ينهض مشروع أي مستثمر ما لم يوجد التمويل، لجهة عدم إمكانية دفع المستثمر مليار ليرة (مثلاً) في منشأة ثم ينتظر استعادتها عبر الحصيلة اليومية، خاصة في ظل عدم وجود الدولار السياحي بالشكل المتوقع للجدوى الاقتصادية نتيجة عدم قدوم السياح بسبب الحرب خلال الفترات الماضية، ونتيجة العقوبات على المطارات والطيران السوري في إطار العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة بشكل أحادي والتي أثّرت بشكل عام على القدوم السياحي والدولار السياحي ما أثّر سلباً وبشكل كبير على التمويل، ولذلك عقدنا العزم في وزارة السياحة وعبر صيغ استثمارية جديدة أبرزها الشراكة بأن يمول المشروع نفسه بنفسه، أي أن وزارة السياحة تعمل على محورين، أولهما الشراكة مع المستثمرين من أجل قيام المستثمر بإشادة بنى تحتية لقاء منحه استثماراً بدل أن تتكلف الدولة بالبنى التحتية، وهذا أحد الخيارات التي نشاهدها لإقلاع القطاع السياحي بشكل ذاتي من دون الاعتماد على خزينة الدولة. أما المحور الثاني فهو وجود صيغ استثمارية تتيح للمستثمر أن يمول مشروعه تلقائياً، فعندما يكون في المشروع جزء تنظيمي وآخر استثماري يمكن دخول شراكات كثيرة كما يمكن تقسيم المشاريع الكبرى إلى مشاريع جزئية ما يؤدي إلى التمويل الذاتي للمشروع، إضافة إلى أن الحكومة وخلال الجلسات السابقة ونتيجة طلب وزارة السياحة أدرجت تمويل المشاريع الاستراتيجية السياحية بعد دراسة الجدوى الاقتصادية. أما النقطة الإضافية التي نركز عليها، فهي التدخل الإيجابي لوزارة السياحة حيث نعمل على شقين هامين جداً: أولهما إقامة شركة تتبع لوزارة السياحة مهمتها التطوير وإقامة المنشأت السياحية في الأماكن التي ينبغي إقامتها فيها وخاصة في المناطق التي تحتاج لتنمية سياحية، والثانية إقامة القرى والمدن السياحية الجديدة.

تبقى حلب الوجع المقيم ما هي الخطة للنهوض بواقع السياحة في المحافظة؟

لا وجع يعلو على وجع حلب القديمة والدمار الذي حل بها، ولتغيير هذا الواقع الأليم بدأنا العمل على إعداد خارطة استثمارية خاصة بالمشاريع الممكنة في حلب وأبرزها المباني التي يمكن استثمارها لتكون منشأت سياحية والتي يقوم احتمال أن تُستثمَر بصيغ تشاركية مع القطاع الخاص، ففندق شيراتون حلب ورغم الأضرار التي أصابته إلا أن افتتاحه مجدداً سيكون في بداية الشهر الخامس من العام الجاري بعد ترميمه وتأهيله من الضرر الكبير الذي أصابه كونه مشروع استراتيجي مهم، وهي نتيجة وصلنا إليها بعد اجتماعات عدة مع مجلس إدارته بمظلة من الدعم الحكومي الواثق، وفي السياق نفسه لدينا أربعة فنادق من 3 و4 نجوم تم إعادة تأهيلها بشكل كامل، منها ما افتتح ومنها ما سيعاد افتتاحه، وكذلك الفندق السياحي الذي يعتبر من معالم حلب فهو ضمن خطة وزارة السياحة، وقد بدأت عمليات تدعيمه نتيجة الضرر الكبير الذي أصابه ويحتاج لفترة زمنية ليكون ضمن الخدمة، مع لحظ عودة كبيرة للمنشأت السياحية في حلب. وضمن هذا التوجه نركز على وسط حلب التجاري بشكل عام من أجل عودة سياحة الأعمال بالدرجة الأولى، وبالنظر إلى كون حلب عاصمة اقتصادية، فإن التركيز على مشروع وسطها التجاري الجديد جاء ليليق بحلب ومكانتها الاقتصادية ولجذب الاستثمارات لتكون شريكة في إعادة بناء وسط حلب التجاري برؤية جديدة معاصرة، وبتخطيط وتجميل عمرانيين لائقين، إضافة إلى عمل وزارة السياحة مع الأمانة السورية للتنمية ومؤسسة الأغا خان واليونيسكو وبإشراف وزارة الثقافة في برنامج إعادة ترميم الأماكن بشكل تدريجي في مدينة حلب القديمة، وقد بدأ العمل بالفعل في بعض الأسواق ليتم إعادة افتتاحها تدريجياً. وبالنتيجة ما من شك أن موضوع حلب القديمة يحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة جداً، ولكن البدء يتم وفق الأولويات والإمكانات المتاحة بالتعاون مع المنظمات والمؤسسات المعنية وأهمها الأمانة السورية للتنمية.

 

*************************************

مجلـــة البنك والمستثمر
العدد 207 _أذار 2018